منذ أن وضعت الأجهزة الأمنية يدها على مفاصل صناعات الإعلام والدراما والسينما في مصر، تخرج كل التحركات الجماعية بصورة غير مكتملة الأطراف، ليفهم العاملون في السوق أوّلاً والجمهور ثانياً، الهدف الحقيقي وراء كل تحرك. أحدث مثال على ذلك هو الإعلان المفاجئ عما يسمّى «اتحاد منتجي مصر»، ليدخل كيان جديد إلى سوق الدراما المصرية من دون الكشف عن أي معطيات، والاكتفاء ببيان صحافي يضمّ أسماء الشركات الـ 18 المؤسسة لهذا الاتحاد، مع التأكيد على أنّه يحظى برعاية «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» المملوكة لجهاز الاستخبارات العامة المصرية. البيان الصحافي الذي نشرت كل المواقع الرقمية المصرية نصّه كما هو، أكد على اتفاق الحضور على «التنسيق المشترك والدائم وعقد اجتماعات دورية، لتنظيم وضبط سوق الإنتاج الدرامي وأدواته وآلياته وهيكل الأجور، بالإضافة إلى تطوير المحتوى والإمكانات الفنية بالشكل الذي يضمن نمو وتطوّر سوق الإنتاج الدرامي والحفاظ على تلك الصناعة الهامة، كما أكّد الحضور ترحيبهم بانضمام شركات الإنتاج الأخرى إلى الاتحاد».العبارة الأخيرة جاءت منعاً لبلبلة متوقّعة وأسئلة عدّة لن تجد إجابة حول سبب حضور هذه الشركات تحديداً للاجتماع التأسيسي، والجهة التي اختارتها، ولماذا حُدّد العدد بـ 18 فقط، فيما هناك شركات أخرى عدّة يحق لها الانضمام؟ أما علامة الاستفهام الكبرى فهي: أين تم عقد هذا الاجتماع الذي أعلن عن إقامته الرئيس التنفيذي لـ «الشركة المتحدة»، عمرو الفقي؟ ولو أنه عقد في مقر الشركة في ضاحية مصر الجديدة، لماذا لم يتم التقاط صورة واحدة للمجتمعين؟ ومن سيتولى مهام المدير التنفيذي للاتحاد، والمتحدث باسمه، ومن ينبغي للشركة التي تريد أن تنضم، أن تخاطب؟ وما هي الشروط؟ كل تلك الأسئلة دفعت بعضهم إلى افتراض أنّ الاجتماع لم يحدث على الأرض، وأنّ اتصالات جمعت هذه الشركات بغية إطلاق الاتحاد سريعاً، ثم فرض الإجراءات المقررة على الشركات، تماماً كما حدث في «مهرجان العلمين» (الأخبار 14/7/2023) الذي انطلق أوّلاً ثم جاءت بعده جداول الحفلات وإعلانات التذاكر.
يرى المتشائمون أنّ الكيان الجديد لا يعدو كونه «وهمياً»


الهدف الحقيقي من الكيان الجديد مجهول التفاصيل، يمكن استخلاصه من تصريحات المنتجين جمال العدل وكريم أبو ذكرى إلى وسائل الإعلام مساء الأربعاء الماضي، إذ تكررت عبارتا «السيطرة على التضخم» و«الحد الأقصى للأجور»، في إشارة واضحة إلى أنّ الهدف الأساسي من التجمع هو ضمان توحيد الأجور لدى كل الشركات، في وقت تشهد فيه المحروسة أزمة اقتصادية هي الأكبر في تاريخها. وبالتالي، قبل بداية موسم رمضان 2024، بات مطلوباً من الجهة التي تدير المشهد ضمان عدم تنافس الشركات في ما بينها على رفع الأجور لنجوم بعينهم للحصول على توقيعاتهم، وفي الوقت نفسه ألّا يحاول بعض النجوم الحصول على مكاسب أكبر عبر التعاقد مع أخرى بعد ترك أخرى.
اللافت أنّ عام 2017 شهد اجتماعاً بالصيغة نفسها، تحددت فيه القيمة الإنتاجية لكل مسلسل بأسعار ذلك الوقت، لكنّه كان بين رؤساء الشبكات التلفزيونية، بهدف عدم مزايدة شركات الإنتاج وتحميل سوق الفضائيات كلفة مسلسلات لا تحقق عائداً إعلانياً كافياً. كل من كانوا في هذا الاجتماع تقريباً خرجوا من السوق بعد ظهور «الشركة المتحدة» التي احتكرت المشهد وخفّضت كثيراً من الأجور، وخصوصاً لنجوم الصف الأوّل. لكن الأزمة الحالية المرتبطة باللجوء لتخفيض جديد، أسست اتحاداً ــ يراه المتشائمون وهمياً ــ من أجل أن يتحمل تبعات القرار، فيتلقى اللكمات الغاضبة من المتضررين، حامياً وجه «المتحدة للخدمات الإعلامية»، التي يعلم القاصي والداني أنّها اللاعب الأوحد في حلبة النزال.