«البراغيث تحلم بشراء كلب، والمهمّشون يحلمون بالنجاة من البؤس! يحلمون بيوم سحري، يمطر حظاً عليهم... لكنّ الحظّ لم يمطر البارحة! ولم يمطر اليوم.. ولن يمطر غداً، أو بعد غدٍ». يستحضر أنس يونس مخرج مسرحية «البغل» التي تستمر حتى الأحد المقبل في «استديو لبن»، جزءاً من قصيدة «النكرات» لإدواردو غاليانو، ليحكي عن الأبطال العالقين، والبائسين، والحالمين، في مدنٍ تدجّنهم، وتدخلهم متاهة الهزائم اليومية. ثيمة العرض الأساسية هي «البطل»، وما يندرج تحتها من مفاهيم الهزيمة، والرحيل، والنجاة. شخصان عالقان في بلاد غارقة، راضيان بالموت والمنفى والصمت والثرثرة العظمى، يتبادلان الطموح والشتائم، بشكل يومي ويحدثان ضجيجاً إنسانياً، من دون القدرة على التحرك. يسعيان لفرصة، لينجو أحدهما، ويغرق الآخر. مَن هو البطل في وقتنا الراهن؟ هذا السؤال بدا ملحاً بالنسبة إلى أنس يونس، منطلقاً من وقائع الهجرة، والبقاء، والموت، التي تواجه أجيالاً في سوريا ولبنان وغيرهما من البلدان الممزّقة بالصراعات. أفراد يعيدون تكرار الدوامة نفسها، محاولين التمسّك بأحلامهم وآمالهم، رغم المأساة التي حلّت بهم. فهل هم اليوم أبطال معاصرون، عقيمون، ومنهزمون؟
اختيرت كلمة «بغل» كعنوان للمسرحية، بعيداً عن المعنى الذي تأخذه في سياقها التهكمي المعتاد: «لا يحمل العنوان أي إهانة، وإنما على العكس، يرمز البغل إلى الفئة المهمّشة، التي تهدر حياتها في الشقاء من دون القدرة على تغيير واقعها».
تولى كفاح الزيني الدراماتورجيا، وبُني العرض المسرحي وفق طبقات متعددة. بدايةً مع دراماتورجيا النص، ومن ثم دراماتورجيا الخشبة، التي بحثت عن الأسئلة المتعلقة بالنص. بُنيت الشخصيات والحوارات مع الممثلين (شادي قاسم، حسام دلال)، بشكل تدريجي، بما يتناسب مع تطلعاتهما ورغباتهما. «البغل» مسرحية واقعية اجتماعية، مقسّمة إلى فصول، بفوارق زمنية مدّتها ثلاثة أشهر. تستند فيها الأحداث إلى وقائع يومية وطبيعية. وفق المخرج، فالواقع لا يحتاج إلى فعل «مسرحة»، أي فعل أو مشهد يومي، يمكن نقله على الخشبة. وعليه، يأتي الإخراج متماشياً مع التأليف النصي، ويعتمد أسلوب البساطة، لإيصال المضمون بطريقة سلسة وشفافة للمتفرج.
ينطلق عرض «البغل» من وقائع الهجرة والموت، التي تواجه أجيالاً في سوريا ولبنان


الخشبة فقيرة، كل الأشياء والأغراض المستعملة كانت مكثفة بعلامات بسيطة، لكنها واضحة للجمهور. المضمون، وطريقة الطرح، والمعالجة، لها صلة بالمتلقّي، لأنّها تعبّر بشكل أو بآخر عن المأساة. لذا، يطال العرض الجانب الذهني والفكري للمتفرّج، لأنه يطرح الأسئلة من دون تقديم الإجابات أو الحلول. يطال الجانب العاطفي أيضاً، لأنه يطبق على نفوس الجمهور في الختام. يبقى أنّ موضوعة العرض، لها صلة بجمهور معين، تحديداً الجيل الصاعد واليانع، الجيل الحالم والعالق، في مدن المآسي اللانهائية.

* «البغل»: س:19:00 مساء اليوم حتى الأحد ـــــــ «استديو لبن» (مبنى «زيكو هاوس» ـــ شارع «سبيرز» ـ بيروت). للاستعلام: 71/880564