يوم الجمعة الماضي، دخل قانون الخدمات الرقمية (DSA) الذي أقرّته دول الاتحاد الأوروبي حيّز التطبيق. وعليه، بات يمكن لمستخدمي فايسبوك وإنستغرام وتيك توك وسناب تشات رفض «المحتوى الموجّه أو المخصّص» (personalized content feeds)، ما يعني أنّ الخوارزميات ـــ التي تقضي مهمتها بدراسة بيانات المستخدم وفهم شخصيته وميوله ــ تحاول طوال الوقت مدّه بمحتوى يتوافق مع اهتماماته، ما يبقيه أسير التطبيق. انتفاضة كبرى تواجه عمالقة التكنولوجيا في الاتحاد الأوروبي: إنّها المرة الأولى منذ عام 2004 التي سيتمتع فيها المستخدمون هناك بتصفح حساباتهم من دون خوارزميات وُجدت خصيصاً من أجل لفت انتباههم وجعلهم أسرى الآلة. هكذا هي الثورات في عالمنا الرقمي: تحرير المستخدمين من خوارزميات الذكاء الاصطناعي.تهدف القواعد الجديدة إلى جعل عالم الإنترنت أكثر أماناً وشفافية للمستخدمين والشركات. وسيتم تطبيق القانون على أي عملية رقمية تخدم الاتحاد الأوروبي، ما يرغم الشركات على تحمّل المسؤولية القانونية عن كلّ شيء، بدءاً من المحتوى غير القانوني والإعلانات والمعلومات المضللة وحتى المنافسة غير العادلة وحماية المستهلك. ويسعى الاتحاد الأوروبي إلى إنشاء سوق رقمية موحّدة تعزّز الابتكار والنمو والقدرة التنافسية، مع ضمان مستوى عالٍ من الحماية للحقوق الأساسية للمستخدمين. عملياً، DSA هو قانون شامل، يحل مكان قانون التجارة الإلكترونية الذي وُضع عام 2000 وبات قديماً وغير كافٍ لمواجهة تحديات وفرص التحوّل الرقمي.

(إميل ليندوف ــ الولايات المتحدة)

بالإضافة إلى ذلك، يحظر DSA الإعلانات المستهدفة بناءً على التوجه الجنسي أو الدين أو العرق أو المعتقدات السياسية للشخص ويضع قيوداً على استهداف الإعلانات للأطفال. كما يطلب من المنصات توفير المزيد من الشفافية حول كيفية عمل خوارزمياتها.
وبحسب قانون DSA، المنصات الإلكترونية المتأثرة هي أي منصة أو محرّك بحث يضم أكثر من 45 مليون مستخدم شهرياً في الاتحاد الأوروبي. وعليه، ستطال الإجراءات كلاً من الشركات التالية: أمازون، متجر تطبيقات أبل، علي بابا، بوكينغ دوت كوم، فايسبوك، تطبيقات غوغل، خرائط غوغل، غوغل للتسوّق، إنستغرام، لينكد إن، بينترست، سناب تشات، تيك توك، X (تويتر)، ويكيبيديا، يوتيوب، محرك البحث بينغ ومحرّك بحث غوغل.
ومن المتوقع أن يكون لـ DSA تأثير كبير على بيئة الإنترنت في الاتحاد الأوروبي وخارجه. ولن يؤثر هذا القرار على مقدمي الخدمات الرقمية الموجودين في الاتحاد الأوروبي فحسب، بل سيطال أيضاً مقدّمي الخدمات الرقمية الموجودين خارج الاتحاد الأوروبي الذين يقدمون خدماتهم للمستهلكين داخل الاتحاد. وسيضع قانون الخدمات الرقمية أيضاً معياراً عالمياً للتنظيم عبر الإنترنت، حيث قد تحذو بلدان أخرى حذوه أو تعمل على مواءمة قواعدها مع النهج الذي يتبناه الاتحاد الأوروبي.
أي منصة تضم أكثر من 45 مليون مستخدم شهرياً ستتأثر بالقانون


لا شك في أنّ الأمر مغرٍ. أن تكون لنا القدرة على تصفح الإنترنت ومنصات التواصل من دون خوارزميات قامت بدراستنا. هو تشريع تاريخي يعكس رؤية الاتحاد الأوروبي لمستقبل رقمي يقوم على «القيم الأوروبية»، مثل الديموقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون والعدالة الاجتماعية. لكن كما يُقال، الطريق إلى جهنم معبّد بالنيات الحسنة، وليس في وسعنا سوى مشاهدة كيفية تطبيق بنود هذا القانون، وهوية الشركات التي ستستفيد منه على حساب أخرى.
هي ثورة تخبئ في طياتها أبعاداً خطرة على حرية التعبير نفسها. فالتلطّي خلف مكافحة المعلومات المضلّلة، يمكن أن يؤدي إلى منع فكر سياسي معيّن كما حصل من الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، ومع ملايين المستخدمين حول العالم خلال الأزمة الصحية العالمية عندما لم تكن هناك معلومات كافية حول المرض. حسابات بالجملة أُغلقت لمجرد نشر تساؤلات. حذّرنا يومها موظّف الاستخبارات السابق، إدوارد سنودن، عندما قال إنّ «عمارة القمع تتعاظم». حتى على الصعيد الحريات والقيم الليبرالية، من قال إنّها أخلاقيات مثالية؟ أليس العالم الغربي منقسماً اليوم بشكل حاد على تلك القيم نفسها؟ حاول الكل في وقت من الأوقات، السيطرة على محتوى الويب. كلّنا نذكر مشروعي القوانين «سوبا» و«بيبا» اللذين حاول الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما تمريرهما، قبل أن تفشل إدارته في ذلك.