أبت صيدا أن ينقضي فصل الصيف من دون أن تترك بصمتها على حفلاته الكثيرة. بعد انقطاع دام ثلاث سنوات، تعود «مهرجانات صيدا الدوليّة» في نهاية شهر أيلول (سبتمبر) الحالي بحفلة يتيمة، تبعث من خلالها المدينة الجنوبية الساحلية رسالة «حياة وصمود»، وتؤكّد للجميع بلغة الموسيقى أنّها حاضرة وأنّها تبقى رقماً صعباً في السياحة الداخلية. وتوضح كذلك أنّ حوادث من هنا وهناك لا يمكن أن تحجب شعاع «عاصمة الجنوب» وتوق أهلها للفرح.في 30 أيلول 2023، صيدا على موعد مع حفلة للعازف والمؤلف الموسيقي غي مانوكيان الذي يعود إليها بعدما كان قد شارك في النسخة الأولى من مهرجاناتها عام 2016 إلى جانب النجمة نانسي عجرم. وما التهافت على شراء البطاقات منذ اللحظات الأولى لطرحها للبيع، إلا دليلاً على تشوّق أبناء المدينة ومحيطها للقاء مانوكيان الذي أمتعهم قبل سبع سنوات، وفق ما تؤكّد رئيسة لجنة «مهرجانات صيدا الدوليّة»، نادين كاعين، في اتصال مع «الأخبار».
عودة الحدث لم تكن سهلة. بعد محاولة متعثّرة العام الماضي بسبب غياب الرعاة والمموّلين والكلفة العالية، كان هناك إصرار من اللجنة المنظّمة على بثّ الروح مجدداً في «مهرجانات صيدا» في 2023 ولو بـ «اللحم الحيّ» على الرغم من أنّ الأوضاع لا تزال صعبة في ظلّ استمرار غياب الرعاة، ما تُرجم في اقتصار الفعاليات حالياً على حفلة واحدة فقط. وفي هذا الإطار، تشير كاعين إلى أنّ مانوكيان قدّم كلّ التسهيلات لإقامة السهرة، لما لصيدا وأهلها من مكانة لديه وصداقة ومحبّة نمت عبر السنوات.
ستُقام الحفلة في «خان الإفرنج» الذي يتسع لـ 800 شخص تقريباً، في المدينة القديمة التي تضم المعالم الأثرية الأبرز في صيدا، ما يضفي على الأجواء رونقاً خاصاً ويمنح الزوّار فرصة التمتّع بجمالها واستكشاف تاريخها العريق. وربّما هذا ما يميّز «مهرجانات صيدا» عن الأحداث التي تنحصر في الترفيه. إذ إنّها قادرة على توفير تجربة متكاملة لزوّارها تدمج بين الترفيه والثقافة. من الخان، يتنقّل الحاضرون بين الأزقة التاريخية نحو «قصر دبانة» و«متحف عودة» للصابون و«الحمام الجديد» و«خان صاصي» و«سوق النجّارين» و«باب السراي» وغيرها من المعالم. لذلك، تدعو كاعين الجميع إلى القدوم باكراً قبل موعد الحفلة، للتجوّل في المدينة والاستمتاع بسحرها والتبضّع من أسواقها والأكل في مطاعمها، قبل أن يختموا نهارهم بالفرح والموسيقى.
وخلافاً للصورة التي يحاول بعضهم إلباسها لصيدا، فإنّ المدينة عامرة بالأنشطة والسهرات الفنية والموسيقية والشعرية والمعارض الثقافية والحرفية والمسرحيات، التي تنظم بشكل دوري على طول العام في عدد من الفضاءات الأثرية والمراكز والجمعيات الثقافية.
وكانت «مهرجانات صيدا» قد نجحت في فرض نفسها بقوّة على خريطة الفعاليات الدوليّة في لبنان رغم صغر عمرها. بعد الانطلاقة في عام 2016 مع نانسي عجرم والموسيقي غي مانوكيان، نجح القائمون عليها في الأعوام التالي في استقطاب نجوم بارزين لبنانياً وعربياً، أمثال وائل كفوري وشيرين عبد الوهاب وكارول سماحة وجوزيف عطية، إضافة إلى حفلتين عبارة عن تحية لكلّ من فائزة أحمد التي يعود أصلها إلى صيدا، وقد أحيتها الفنانة رضوى سعيد من «دار الأوبرا» المصرية، وللفنانة وردة الجزائرية التي أحيتها الفنانة سارة الهاني.
وكانت الحفلات تنظم على الواجهة البحرية خلف الملعب البلدي، إذ كانت كلّ منها تستقطب ما لا يقل عن ثلاثة آلاف شخص. لكن مع بداية الأزمة الاقتصاديّة عام 2019 وما تلاها من أزمات على أصعدة مختلفة وجائحة كورونا، توقفت «مهرجانات صيدا» بين عامَي 2020 و2022.

* حفلة غي مانوكيان في صيدا: السبت 30 أيلول 2023 ــ الساعة الثامنة والنصف مساءً ــ «خان الإفرنج» (المدينة القديمة ــ صيدا ــ جنوب لبنان). للاستعلام: 01/217810