القاهرة | في ذكرى مرور 50 عاماً على حرب أكتوبر 1973 التي غيّرت كثيراً في سياسات الشرق الأوسط، أطل أشرف مروان من جديد، ليكون «بطل» قصة جديدة، تتعلق بالحرب التي انتصرت فيها مصر على إسرائيل بعد ستّ سنوات من احتلال الأخيرة لشبه جزيرة سيناء في عام 1967. القصة الجديدة/ القديمة تدور دوماً في فلك ما إذا كان أشرف مروان عميلاً مزدوجاً بين مصر وإسرائيل أم عمل كجاسوس لأحد الطرفين على حساب الآخر؟ تواجه الرواية الإسرائيلية القائلة إنّه كان جاسوساً لإسرائيل، رواية مصرية مقابلة، من دون أن يتأكد أي متابع من حقيقة ما فعله مروان بالضبط، فما الذي يجعل سكرتير الرئيس المصري يلتقي برئيس الموساد في لندن قبل يوم واحد من الحرب؟ لكن الفارق الجوهري بين الروايتين المصرية والإسرائيلية، هي أنّ تل أبيب تخرج دوماً وثائق تؤكد فيها روايتها بأن أشرف مروان كان جاسوساً لها في مصر، بينما تدافع القاهرة عن الرجل من دون وثائق، بل إنّ الصحف المصرية خرجت أخيراً لتنفي جاسوسيته لإسرائيل مستعينةً بأقاويل وحوارات لإسرائيليين.الموساد نشر أخيراً كتاباً جديداً تحت عنوان «ذات يوم... عندما يكون الحديث مسموحاً». يخرج الأخير من الأرشيف السري الإسرائيلي الخاص بالحرب، مع اقتراب الاحتفال المصري باليوبيل الذهبي لانتصارات أكتوبر، مُظهراً ــ وفق ما نشر حوله ــــ أنّ هناك خلافاً بين جهاز الموساد وجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) حول دور كل منهما في الحرب أو تقصيره تحديداً. ويُقال إن صدور العمل يأتي لكي يبرئ الموساد نفسه من هزيمة أكتوبر، في وقت يواجه الأخير دوماً اتهامات باعتباره الجهة التي لم تصل إلى معلومات حقيقية عن قيام المصريين بشنّ حرب في السادس من أكتوبر 1973، وفي أي ساعة بالتحديد. تشير المستندات إلى أشرف مروان بأنه «الملاك» الذي حصل على معلومات هامة بشأن قيام مصر وسوريا بحرب على إسرائيل في توقيت واحد عند ظهر السادس من تشرين الأول (أكتوبر)، وإخبارها لإسرائيل. ويعتبر الكتاب أنّ مروان كان جاسوساً لإسرائيل فقط، قدّم لها معلومات مهمة حول ميعاد الحرب، ثم معلومات أخرى جديدة بعد أيام على اندلاع الحرب. ويرى أن مروان لم يعمل لصالح مصر ولم يكن عميلاً مزدوجاً، بل عمل فقط لصالح إسرائيل ومن موقع هام للغاية في مكتب الرئيس المصري في هذا الوقت أنور السادات، ما أتاح له الإطلاع على الكثير من الأمور والتفاصيل التي لم تُتح لغيره بحكم المنصب والقرب من الشخص الأهم في دائرة السياسة المصرية. واعتبر الكتاب أن مروان الذي عمل سكرتيراً للمعلومات مع السادات منذ عام 1971، قدم المعلومات للجانب الإسرائيلي، لكن المشكلة كانت تكمن في كيفية تعامل القادة في تل أبيب مع هذه المعلومات. في مصر وسريعاً من دون قراءة العمل، بدأت الصحف في الهجوم عليه، معتبرةً أنّ أشرف مروان لم يقدم معلومات هامة لإسرائيل كما يورد، وإنه لم يكن عميلاً لتل أبيب، بل إنه أسهم في خداعها. واعتبرت صحيفة «الدستور» المصرية، التابعة لـ «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» (تابعة بدورها لجهاز المخابرات العامة في مصر)، أنّ ما نشرته إسرائيل «مزعوم» بشأن إبلاغ مروان لتل أبيب عن ميعاد الحرب، نافية تماماً أنه كان عميلاً للموساد. وكتبت الصحيفة عن اعترافات قادة من إسرائيل بدور أشرف مروان في حرب أكتوبر، وكيف أنه ساعد في تحقيق الانتصار لمصر. وأورد تقرير الصحيفة، حديثاً لتسفي زامير، رئيس الموساد وقت حرب أكتوبر، يقول إنّ لقاء جمعه بمروان قبل 16 ساعة من اندلاع الحرب. وأورد زامير إنّ مروان قال له إنّ «احتمالات الحرب لا تزيد عن 30 و40 %، لكن التقرير نفسه يورد أنّ مروان كان على اتصال بزامير، وأنه بالفعل ــ حسب نص كلام رئيس الموساد ـــ قال إنّ هناك حرباً ستندلع من جانب المصريين من دون تأكيد الأمر، لكنه أخبرهم بالحرب من دون أن يفسر التقرير هذه النقطة أو يسندها بأي وثيقة.
كذلك فعلت صحيفة «الوطن» وهي تابعة أيضاً لـ «الشركة المتحدة». عنونت صفحتها الأولى بأنّ مروان خدع قادة تل أبيب، مستدرجاً رئيس الموساد إلى لندن «ليمنعه من حضور اجتماع لقادة إسرائيل قبل الحرب بساعات» في إشارة إلى أنّ لقاء مروان/ زامير جرى في لندن يوم الخامس من تشرين الأول. ووضعت الصحيفة عنواناً آخر تقول فيه غولدا مائير إنّهم- أي الإسرائيليين- تعرضوا للخداع في ما يخص مروان. كما خرج آخرون محسوبون على الحكومة المصرية في محادثات هاتفية ضمن برامج تلفزيونية وتحدثوا عن الأمر، مشيرين إلى أنّ إسرائيل تحاول خداع «مواطنيها» بالحديث عن كون أشرف مروان عميلاً لصالحها لدى المصريين، بينما هو عكس ذلك تماماً.
ونشر الموساد في السابع من أيلول (سبتمبر) الحالي صورةً لأشرف مروان يمسك به شخص آخر، معتبراً أن «الملاك» أعطى «معلومة ذهبية» لإسرائيل حول الحرب. كما نشر الموساد نص الحوار بين مروان وتسفي زامير قائلاً إنّه في اليوم الذي سبق الحرب، قال مروان لزامير إن الحرب واردة بنسبة 99 % وإنها ستقوم من خلال جبهتَي مصر وسوريا. وأوضح الموساد أن الكتاب سينشر «ذات يوم» كي يعرف الناس كيف أنّ الموساد كشف كثيراً من خطط مصر قبل الحرب. في الوقت نفسه، خرج رئيس الموساد الحالي دافيد برنياع لينفي التقارير القائلة بأنّ مروان كان عميلاً مزدوجاً. وتشير الوثائق الجديدة أيضاً إلى أن إسرائيل تلقت معلومات أخرى من أشرف مروان بعد ستّة أيام من اندلاع الحرب حول خطة مصرية بشأن قناة السويس، وهو ما تقول إسرائيل إنها معلومات جعلتها تغيّر خططها محاولةً قلب الأمور لصالحها بعد ذلك. لطالما شكّل أشرف مروان مادةً دسمة للإصدارات والأعمال التلفزيونية. في عام 2017، نشر كتاب إسرائيلي يدعى «الملاك... الجاسوس المصري الذي أنقذ إسرائيل» وهو الاسم الحركي لأشرف مروان لدى جهاز الموساد الإسرائيلي، وقد انتشر الكتاب جداً، ما دفع أحد الناشرين المصريين وهو خالد لطفي، صاحب ومؤسس «مكتبة تنمية» إلى نشر الكتاب في مصر، ما أدى إلى القبض عليه على إثر ذلك، وسجنه عسكرياً لمدة خمس سنوات، أمضاها كاملةً رغم كل المناشدات بإخراجه من خلال عفو رئاسي كما حدث مع آخرين. إلا أنه لم يخرج سوى عند انتهاء المدة في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، كما كان «الملاك» أيضاً عنواناً لوثائقي عبر منصة نتفليكس تحدث عن دور مروان في حرب أكتوبر 1973.
سُجن خالد لطفي، صاحب «مكتبة تنمية» خمس سنوات بسبب نشر كتاب سابق عن مروان


بعد حرب أكتوبر، عمل مروان عام 1975 رئيساً لـ «الهيئة العربية للتصنيع»، ثم سفيراً لمصر في لندن عام 1978، وبعدها عمل كرجل أعمال، وفي السابع والعشرين من تموز (يوليو) عام 2007 سقط أشرف مروان من شرفة شقة في لندن، ومات على الفور، ولم يعرف حتى الآن ما إذا كان سقط وحده أم تم دفعه، لكنه مات على أي حال، من دون أن يعرف أحد حقيقة ما فعله في حرب أكتوبر، وما إذا كان عميلاً مزدوجاً أم عمل لصالح مصر فقط أم لصالح إسرائيل فقط؟ لكن مصر استقبلت جثمانه رسمياً، ودفنته كبطل في جنازة مهيبة تقدمها مندوب عن الرئيس الأسبق حسني مبارك الذي أصدر بياناً قال فيه إن مروان «قام بدور وطني، وقدم خدمات لمصر». حضر الجنازة يومها جمال مبارك، وآخرون من القادة السياسيين في مصر، إلى جانب زوجته منى ابنة جمال عبد الناصر وولديه، ما أضفى سراً جديداً حول أشرف مروان، فكيف لشخص تُثار أقاويل عنه بشأن حدث عسكري مثل حرب 1973 أن يُكرَّم بهذا الشكل؟