«لزخم حكايته وقدرته على تمثيل الحب والعائلة بأناقة بصرية». هكذا فسّرت لجنة التحكيم المؤلفة من ست سينمائيات (أنيلا فارفي، ليليانا ميلي، ماري أنييلي، أنطونيلا فاتوري، مارتا زاني وأندريانا تشالكيدي) قرارها منح الجائزة الذهبية في الدورة العشرين من «مهرجان تارانتو السينمائي» (Mostra del Cinema di Taranto) في إيطاليا، بالإجماع، للفيلم السوري «رحلة يوسف» (سيناريو الزميل وسام كنعان، بالشراكة مع المخرج جود سعيد ــ بطولة: أيمن زيدان، ربا الحلبي، وائل أبو غزالة، وائل زيدان، سيرينا محمد، حيان بدور، نور غزال وجواد السعيد ــ مدير الإضاءة والتصوير: وائل عزّ الدين ــ إنتاج «المؤسسة العامة للإنتاج السينمائي»).من خلال هذا الإنجاز في الحدث الذي ينظّمه «مهرجان ليفانتي الدولي»، يكون «رحلة يوسف» قد حصد الجائزة الذهبية الأولى التي ينالها فيلم سوري في مهرجان أوروبي منذ أكثر من عشر سنوات، بعد حصده جائزة «أفضل سيناريو» في مهرجان «الدار البيضاء للفيلم العربي»، وبعد أيّام من مشاركته في «مهرجان روتردام للفيلم العربي».
تنطلق قصّة «رحلة يوسف» من نواحٍ إنسانية غنية بالتفاصيل الواقعية في زمن الحرب، وتركّز على شريحة من السوريين المهمّشين. لذا اختار، أن يكون عنوانه الفرعي «المنسيّون». كما يحمل على عاتقه هاجساً إنسانياً بحتاً، من دون أي ملامح لاصطفافات سياسية أو تسميات وتصنيفات مباشرة. تتوغّل الحكاية داخل مناطق سيطرة المعارضة السورية، وتركّز على نماذج منسيّة لم يسبق أن واكبتها عدسات الكاميرات أو تمكّنت من إيصال قصصها ومعاناتها. نماذج علقت في أماكن سيطرة المعارضة ولم تتوافق معها لناحية الفكر المتطرّف، فيما خافت من الهجرة إلى مناطق سيطرة الدولة لأسباب عدّة.
تتصاعد الحبكة في منطقة جغرافية يفترض أنّها بلدة سورية حدودية مع لبنان، لتتقفّى أثر عائلة مسحوقة، لكنّها تعرف كيف تصوغ الفرح بأبسط حالاته. يبحث الشريط في مآلات صادمة عندما يقدّم شخصية «يوسف» (أيمن زيدان)، الرجل الذي أحالته الحرب مغسّل أموات وحفّار قبور. بذلك، تكثّف الرواية السينمائية ما حدث مع نسبة كبيرة من السوريين الذين تقدّموا في العمر وهزمتهم الأقدار، ثم أتت الحرب لتجهز على ما تبقى لديهم من آمال، فتمسّكوا بأحفادهم عساهم يدافعون من خلالهم عن بقايا أحلامهم!
هكذا، يجرّب «يوسف» الاستثمار بحفيده «زياد» والاستماتة في الدفاع عنه، وعن «هاجر» حبّ حياته. كما يتمسّك بشغفه بكرة القدم، لكنّ حدثاً مفصلياً يرغم العائلة على النزوح إلى مخيّم للاجئين، حيث تنجز السينما أهدافها من خلال التقاط نبض الحياة في شوارع المكان ورسم خريطة المأساة المنسيّة، وبتعويض خسائر البشر هناك من خلال بهجة لونية للأقمشة العازلة التي تزيّن الجدران بين خيمة وأخرى، أو المشاهد البانورامية، مع التركيز على رمزية فصول السنة والربط مع مونديال سنة 2014، وهو الزمن المقترح للحكاية. وهناك، يقترب «زياد» من تحقيق حلمه بالانتقال إلى نادٍ عريق لكرة القدم وانتشال محيطه من الخراب الذي يسوّر يومياته. لكن الخواتيم الساحقة كانت قدر السوري خلال العشرية السوداء الماضية، لذا تترك النهاية أثرها المفجع عند كلّ من يتابع الشريط.
في سياق آخر، يحطّ «رحلة يوسف» في شهر تشرين الأوّل (أكتوبر) المقبل في «مهرجانات «بروكسل للفيلم العربي» و«برشلونة» و«الفاميك» في فرنسا.