القاهرة | بينما ترغب مصر في أن يكون مدير عام «منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة» (اليونسكو) المقبل هو مرشحها الوزير السابق خالد العناني، تقوم «بولدوزرات» الحكومة، على قدم وساق، بهدم مقابر تاريخية تعود إلى قرنين، وتتوسط القاهرة التاريخية أو ما يعرف بمدينة الموتى وسط العاصمة المصرية. منطقة مُدرجة على قائمة التراث العالمي التي يشرف عليها اليونسكو منذ أكثر من 50 عاماً. تتزامن أعمال الهدم كذلك مع اجتماعات الدورة الـ45 للجنة التراث العالمي التي تُقام في السعودية حتى 25 أيلول (سبتمبر)، وتنظر في القائمة الحالية للتراث العالمي مناقشةً إدراج أماكن جديدة على القائمة.وقد وافق مجلس الوزراء العرب أخيراً على دعم المرشح المصري خالد العناني مديراً لليونسكو. مفارقة مضحكة مبكية، فالحكومة التي تهدم في القاهرة التاريخية ليل نهار من دون رادع من أجل بناء طرق وكباري، ترشح وزيراً سابقاً لمنصب مدير اليونسكو، المنظمة التي تعتبر مهمّتها الرئيسة الحفاظ على التراث العالمي. وتعتبر «القاهرة التاريخية» أبرز مواقع هذه القائمة كما أن مصر تمتلك سبعة مواقع مدرجة فيها على رأسها القاهرة التاريخية التي أُدرجت عام 1979. صحيح أن اليونسكو لا تمتلك سلطةً لإيقاف المشاريع الجارية في المناطق الأثرية، لكن يمكنها المطالبة بوقف هذه الأعمال من أجل الحفاظ على مواقع التراث العالمي.
وفي أبريل (نيسان) الماضي، أعلنت الحكومة المصرية عن ترشيحها خالد العناني لمنصب مدير عام اليونسكو بعد اختياره من قبل لجنة حكومية ضمت ممثلين عن كل الوزارات المرتبطة بالملف في مصر. وكان من بين الأسباب التي ساقها رئيس الحكومة مصطفى مدبولي لاختيار العناني مرشحاً، هو أنّ مصر تمتلك تراثاً ثقافياً وأثرياً وعلمياً متنوعاً، معتبراً أنّ ذلك «يعزز من قرار الترشح ويفسّر وجاهته».
والعناني (1971) أستاذ لعلم المصريات في «جامعة حلوان»، وهو وزير السياحة والآثار السابق لمدة ثلاث سنوات تقريباً في حكومة مصطفى مدبولي. وحين غُيِّر في آب (أغسطس) 2022، لم يكن هناك رضا جماهيري عن ذلك، إذ إنّ أداءه كوزير للسياحة والآثار كان جيداً، لكنّه تعرّض لانتقادات أيضاً. خلال ولايته عام 2020، دُمِّرت مجموعة كبيرة من مدافن الباشاوات معظمهم من أسرة محمد علي في منطقة مدافن المماليك، من أجل إنشاء محور مروري أيضاً. ورغم المعارضة الشديدة، لم يتخذ العناني موقفاً من ذلك، كما أنه صاحب التصريح الذي أغضب كثيرين في مصر، حين قال أمام الجلسة العامة للبرلمان المصري في الرابع من شباط (فبراير) 2021: «لو هسجّل كل المباني اللي مرّ عليها 100 سنة، يبقى هسجّل نصف البلد». وبرر وقتها هدم بعض المباني في نطاق المناطق الأثرية، معتبراً أنّه يمكن هدم هذه المباني بما أنّها غير مسجّلة، متناسياً أنّ المادة 11 من اتفاقية التراث العالمي الخاصة باليونسكو تحثّ الدول على طلب تسجيل كل المباني ذات القيمة التاريخية في القائمة العالمية، أي إنّ التسجيل بالأساس يعتمد على الأهمية لا الزمن.
يحتاج المرشح إلى 30 صوتاً من أصل 58 للفوز بالمنصب


وتعتبر انتخابات اليونسكو معركة ديبلوماسية في الأساس، يحسمها ثقل مصر السياسي إن استطاعت ذلك، عبر حشد المؤيدين من دول العالم خلال العامين المقبلين، بهدف التصويت لمرشحها، فالإمارات مثلاً كانت تنوي ترشيح وزيرة الثقافة نورة بنت محمد الكعبي للمنصب هذه المرة، كما أنّ السعودية أرادت ترشيح مندوبتها الدائمة لدى اليونسكو هيفاء بنت عبد العزيز آل مقرن، فهل بموافقة مجلس الوزراء العرب على ترشيح العناني، تدعم أبو ظبي والرياض مرشّح مصر عند التصويت؟ يجري التصويت على منصب مدير عام اليونسكو في باريس عام 2025، وهذه ليست المرة الأولى التي ترشّح فيها مصر شخصاً كمدير لليونسكو. المرة الأخيرة كانت مرشحتها الوزيرة والسفيرة السابقة مشيرة خطاب، وقد خرجت من المرحلة ما قبل الأخيرة من التصويت الذي جرى عام 2017 بعد القطري حمد الكواري والفرنسية أودري أوزلاي وهي المديرة الحالية للمنظمة. وقتها لم يتوافق العرب على مرشح واحد، وخصوصاً أن الخلاف بين مصر وقطر كان واضحاً.
وحسب الميثاق التأسيسي لليونسكو، يقترح المجلس التنفيذي (مؤلف من 58 دولة) للمنظمة المدير العام من بين المرشحين للمنصب، ثم يعيّنه المؤتمر العام لأربع سنوات. ويحتاج المرشح إلى 30 صوتاً من أصل 58 للفوز بالمنصب. وفي خطاب موجّه إلى المجلس، يتولّى كل مرشح إيضاح رؤيته وخطّته لعمل اليونسكو، فكيف يمكن لخالد العناني أن يبرّر ما يحدث في القاهرة للآثار والمناطق التاريخية، بينما سيكون مطلوباً منه كمدير للمنظمة حماية هذه الأماكن؟