الجمود، والإحباط، وانعدام الحريات... عناوين تفرض نفسها على المسرح العربي، الذي يزداد يوماً بعد آخر، تأثراً بمحيطه والمشهد المأزوم على المستويات الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية. هذا الراهن، يزيد من حدة الأسئلة حول مصير المسرح العربي، ويجعلها أكثر إلحاحاً بحثاً عن مخارج وحلول تُعيد إلى المسرح «ارتعاشته» وفق ما تقول المسرحية اللبنانية نضال الأشقر، التي وقع الاختيار عليها من قبل «الهيئة العربية للمسرح»، لكتابة رسالة «اليوم العربي للمسرح» (راجع الكادر). في العاشر من كانون الثاني (يناير) كل عام منذ 2008، يتم اختيار أحد رواد المسرح العرب لكتابة رسالة تكون بمثابة وثيقة هامة للمسرحيين. تقليد مقتبس عما يحصل في الخارج في «يوم المسرح العالمي» في 27 آذار (مارس) من كل عام. هذه السنة، توجه نضال الأشقر الرسالة وتلقيها ضمن فعاليات افتتاح الدورة الرابعة عشرة لـ «مهرجان المسرح العربي»، الذي سيُقام في بغداد. في حديث معنا، تعبّر الأشقر عن فرحها من اختيارها لكتابة رسالة «اليوم العربي للمسرح»، وخصوصاً في ظروف استثنائية تشهدها المنطقة العربية. شروخات كبيرة، وحروب داخلية وإقليمية ودولية، ظروف حياتية صعبة، وانحسار موجات حرية التعبير... كلها عوامل تجعل المسرح عاجزاً عن النهوض في هذه الظروف. تقول لنا في هذا السياق: «في زمن تطغى عليه الحيرة في العالم العربي، وعدم فهم قضايانا، وانقطاع التواصل بين دول المنطقة، نتصوّر ــــ من وجهة نظرنا كمسرحيين ــــ كيف يمكننا أن نساعد الإنسان وإنقاذه في عالم يتفتت. لذلك علينا أن نبتعد في ممارساتنا، عن تسطير البيانات، ونرى ما يمكننا فعله. لنأخذ مثالاً بعض دولنا العربية، على رأسها لبنان. هل تستطيع السلطات فيه تقديم استثناءات للمسرح، ما يزيد من حرية تعبيره ليكون فعالاً، وتصل رسالته، ويكون مرتعشاً وغير جامد؟». هذه الرسالة وفق ما تؤكد نضال الأشقر في حديثها لنا، سوف ترتكز على القضايا الحياتية والسياسية القائمة اليوم وتلتزم بها، مضيفة: «المسرح يجب أن يكون سياسياً بامتياز، لا بل يجب العمل على تسييسه أكثر من أي وقت مضى، وخصوصاً مع تشدد رقابة السلطات على النتاجات الفنية، وما تقدمه من طروحات ومواضيع». وستستشهد في رسالة «اليوم العربي للمسرح» بالحرب اليونانية القديمة، التي نشبت بين أثينا المنفتحة وإسبرطة المنغلقة، لتدعو هيئات الرقابة في المنطقة العربية، وتحديداً في لبنان، لتكف أيديها عن التشدد والقمع.
على صعيد متصل، تقول نضال الأشقر «إن ورشة النهوض بالمسرح، لا تتطلب منّا تنظيم مهرجانات أو إقامة عروض مسرحية بشكل دوري فقط، بل إنّ الوضع يتطلب نهوضاً وطنياً يمتد على كل المناطق، ويصل إلى الهوامش والأطراف، حيث يجب افتتاح فضاءات وأماكن مخصصة للمسرح والثقافة والفنون. وعليه فإن الوزارات المعنية، الغائبة منذ زمن بعيد أصلاً، يجب أن تخصص جزءاً كبيراً من ميزانيتها لدعم المحترفات التي تقدم ورشاً في الموسيقى، والرقص، والمسرح، وقراءة النصوص وكتابتها.
ما نشهده اليوم هو جفاف على مستوى المواهب والموضوعات (ن.أ)


في ظل كل هذه المآزق، من الطبيعي أن يكون المسرح في حالة ركود. ترى القائمة على «مسرح المدينة» في بيروت، أن ما نشهده اليوم هو جفاف على مستوى المواهب والموضوعات. ولذلك علينا ألا نبقى ضمن العلب والقوالب التي تحكم المسرح التقليدي، يمكننا تحويل المدارس والساحات والأماكن العامة، إلى مساحات للعمل والتفكير والمساءلة. تضيف الأشقر في هذا الإطار «في لبنان نحن في الحضيض، على المستوى الاقتصادي، والتربوي، والصحي، والاجتماعي، لكن إقامة محترفات لا تحتاج إلى كثير من الإجراءات، وخاصة أن هناك عدداً كبيراً من العاملين والعاملات في المسرح من خارج منظومة الحكم والفساد والحرب، ولذلك تقع على عاتقهم مهمة إقامة محترفات وورش عمل وعروض مفتوحة تسائل القضايا الراهنة بشكل خلاق.
«نحن بحاجة إلى الإبداع الفني، لنرسم مستقبلاً بديلاً، وندخل إلى عالم المسرح حيث نستشعر بإنسانيتنا ورونق حياتنا، نحن بحاجة إلى هذا المكان أينما كان. المسرح والإبداع فيه، هو ركيزتنا الأساسية، وبالتالي، حتى يستمر المسرح يجب إيصاله إلى الصاعدين، الذين يلعبون دوراً مهماً، علينا أن نرى تطلعاتهم، وخصوصاً في ظل الأزمات الراهنة. ومن هنا علينا أن نسأل أنفسنا كيف يمكن توريطهم في الشعر والموسيقى والمسرح والنتاجات الفنية والثقافية الأخرى، التي ستكون حتماً أداة ولغة لتسطير الأحلام». تختتم نضال الأشقر حديثها بالقول: «إذا لم يكن المسرح مشروعَ دولة، ليس فيها إلغاء أو قمع، لن نتمكن من الاستمرار أو النهوض، ولن تصل رسالة المسرح، إلى مدن العالم العربي».
--
منارة لسالكي الدرب
جاء في الرسالة التي وجهتها «الهيئة العربية للمسرح» إلى نضال الأشقر قبل أيام ما يلي: «يسرنا أن نعلمك نبأ قرار الأمانة العامة لتكوني صاحبة رسالة اليوم العربي للمسرح (10 كانون الثاني/ يناير 2024)، وأنت القامة المسرحية العالية ذات العطاء والإنجازات المتميزة، والهوية العربية الحضارية الواضحة، الفنانة التي رسمت أبهى صورة لما يجب أن يكون عليه الفنان المؤثر والمُلهم. دأبنا في الهيئة كل عام على اختيار شخصية عربية مسرحية، لتسطر من صافي خبراتها، ومن نير رؤاها رسالة تكون منارةً للسالكين هذا الدرب من المسرحيين، وبوصلة تساهم في توجيه دفة السفينة في ظل هذه الأمواج المتلاطمة والحيرات التي يعيشها الإنسان في هذا العالم. رسالة تبرز عمق ثقافتنا، وترسّخ القيم العالية في مواجهة التجهيل والتسطيح، رسالة تكون كل جملة فيها سفر معرفة، وخابية خبرة. بترشيحك لتكوني سيدة المنصة في العاشر في كانون الثاني (يناير) (اليوم العربي للمسرح)، فإنّ مسيرة الرسائل العظيمة التي سطرها المسرحيون منذ عام 2008، حتى اليوم تكون قد اكتسبت دفعة جديدة. (...) ستلقى (الرسالة) ضمن فعاليات افتتاح الدورة 14 من «مهرجان المسرح العربي» التي ستنظمها «الهيئة العربية للمسرح» في بغداد من 10 إلى 18 كانون الثاني، (...) وسيحضرها 500 مسرحي مشارك، تُقدم فيها عروض مسرحية إضافة إلى مؤتمر فكري عربي وندوات تطبيقية ومؤتمرات صحافية». تجدر الإشارة إلى أنّه من أصحاب الرسائل في يوم المسرح العربي نذكر: يعقوب الشدراوي، رفيق علي أحمد، وجواد الأسدي ويوسف العاني، وزيناتي قدسية...