يواصل عام 2023 خطف المزيد من صحافيّي عهد بروز الإعلام اللبناني. عن عمر ناهز 86 عاماً، رحل يوم السبت الماضي الأديب والصحافي الياس الدَيري، المعروف بلقب «زيّان» الذي استخدمه في بعض الأحيان اسماً مستعاراً. اشتهر الراحل بشكل خاصّ لدوره في جريدة «النهار» إلى جانب عدد من الروايات والكتب.وُلد الياس الديري في 14 نيسان (أبريل) 1937 في قرية ددّه في الكورة (الشمال اللبناني) لعائلة متواضعة، بحيث واكب والدَه لفترة في صناعة الفحم والكلس. تلقّى تعليمه في مدارس مختلفة بين ددّه وبترمين والقلمون والزاهرية (طرابلس)، والتحق، في سنّ باكرة، بالحزب السوري القومي الاجتماعي عام 1950، متأثّراً في حينه بالوهج الذي حظي به الحزب بين أبناء جيله في المنطقة، وكان من بين المنسحبين من الحزب عام 1965. سافر إلى الكويت وعاد إلى لبنان ليعمل في مصلحة التعمير، قبل أن يتفرّغ كلّيّاً للكتابة الأدبية والسياسية. كتب لفترة في مجلة «الصفر»، ورأس تحرير مجلّة «النهار العربي والدولي» التي كانت تصدر في باريس، وكتب في «النهار».
وتنقل صحيفة «النهار» ما رواه الراحل يوماً حول «النهار العربي والدولي» من أنّه «اشتدّت وطأة الحرب على لبنان، وانفرز الناس، وانقسمت المدينة بين غربية وشرقية، ودخل الجيش السوري الأراضي اللبنانية. كان الكثيرون في أسرة جريدة «النهار» يقطنون فندق «الكافالييه» في شارع الحمرا. وكنت والوزير مروان حمادة نتحاور مع الأستاذ غسّان تويني حول ضرورة إيجاد حائط نلقي عليه ظهرنا (كجريدة)، في حال حدوث الأسوأ، وتمحورت الفكرة حول تأسيس مجلّة ترافق الجريدة من باريس». ويضيف الراحل «بما أنّ الحرب كانت في ذروة غضبها، كان الجميع على يقين من أنّ الأسوأ في طريقه إلى البلد، ولا سيّما أنّه تمّ انتهاك الحرّيات الصحافية، وانتشرت المليشيات في كلّ مكان. لكنّ غسّان تويني لم يقتنع كلّيّاً بالفكرة التي كان يصرّ عليها الديري وحمادة. لكنّ احتلال الجيش السوري مكاتب «النهار» في الحمرا وطرده للموظفين ومكوثه فيها فترة طويلة، دفعت تويني إلى الموافقة على الفكرة التي نضجت مع الوقت. كانت مؤسّسات صحافية أخرى قد سبقتنا إلى باريس، منها مجلّة «المستقبل» التي أسّسها الزميل الراحل نبيل خوري».
«الطريق إلى مورينا» صوّرت المجتمع اللبناني في النصف الأول من القرن العشرين


تورد «النهار» أنّ الديري وحمادة وبعض المسؤولين الإداريّين توجّهوا بعد ذلك إلى باريس، «حيث استأجر لهم المسؤول المالي في «النهار» سامي تويني غرفة في شارع باسانو، تحوّلت مكتباً جديداً لهم. تأسّست المجلّة بسرعة، وصار اسمها «النهار العربي والدولي»». وتنقل الجريدة عن الديري أنّها «كانت في حلّتها الأخيرة بحجم الـtabloid (الصحيفة المصغّرة)، لا مجلّة ولا جريدة». بعد فترة الحرب، كتب الديري عن السياسة اليومية اللبنانية في زاوية «نهاريّات» في «النهار»، مستخدماً توقيعه الشهير «زيّان». وظلّ يكتب في صفحات الجريدة بين الحين والآخر حتّى أيّامه الأخيرة.
منذ عام 1960، كان الديري عضواً في كلّ من «نقابة محرّري الصحافة اللبنانية» و«نادي القصّة»، كما كان محلّلاً سياسيّاً لـ«إذاعة الشرق – باريس». من مؤلّفاته: «الرجل الأخير» (1961)، و«جدار الصمت» (1963)، و«الطريق إلى مورينا» (1969)، و«الخطأ» (1971)، و«الفارس القتيل يترجّل» (1979)، و«من يصنع الرئيس» (1982)، و«عودة الذئب إلى العرتوق» (1982). تمثّل روايته «الفارس القتيل يترجّل» التي صنّفها «اتّحاد الكتّاب العرب» في المرتبة 101 من قائمة أفضل رواية عربية عام 2001، تجربة المثقّف اللبناني الذي سعى إلى ممرّ نحو القمّة، غير أن الحرب (القدر) ألقته مثل الجرذ على الرصيف (الهامش)، فكتب تجربته بلغة شعرية تمثّل سعيه إلى خلاص (قيامة). أمّا رواية «الطريق إلى مورينا»، فتصوّر المجتمع اللبناني في النصف الأول من القرن العشرين.

يُصلّى على الجثمان عند الرابعة من بعد ظهر اليوم في «كنيسة النبي الياس دده» (الكورة ـ شمال لبنان) ويُوارى الثرى في مدافن العائلة. تُقبل التعازي في صالون الكنيسة قبل الدفن وبعده، ويوم الثلاثاء ابتداءً من الساعة الثالثة بعد الظهر حتى السابعة مساء ويوم الأربعاء 3 تشرين الأول (أكتوبر) في «كنيسة مار نقولا» (الأشرفية) من الساعة الحادية عشرة قبل الظهر حتى السادسة مساء.