«كان كل حياتي وقتلوه». بهذه العبارة افتتح برنامج «جعفر توك» الذي يقدمه جعفر عبدالكريم على شبكة «دويتشه فيله» الألمانية الناطقة بالعربية ومنصات المحطة، تقريره المصوّر مستعرضاً قصة توأم إسرائيلي يدعى أوشر وميخائيل واكنين. ينطلق الفيديو على وقع موسيقى حزينة ومؤثرات صوتية، لتطل لاحقاً زوجة أوشر لتحدّثنا عن حزنها على فراق زوجها الذي كان ضمن المهرجان الموسيقي المقام في صحراء النقب قبيل عملية «طوفان الأقصى»، وكيف أصبحت وحيدة الآن بعد رحيله! ثم تحدّثت شقيقة التوأم عن حزنها العميق إزاء قتل شقيقها واختفاء الآخر، قبل أن يختتم الفيديو بالتذكير بأنّ «حماس تصنّفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية منظمةً إرهابيةً».

التقرير الذي نشره جعفر عبدالكريم على منصة X، بمنزلة عيّنة صغيرة عمّا يبثه الإعلام المتأسرل الذي يغسل جرائم العدو الإسرائيلي ويجرّد الفلسطينيين من إنسانيتهم، فيبرّر بالتالي عملية استهدافهم والمجازر الإسرائيلية بحقّهم.
لكن من يعرف شبكة «دويتشه فيله»، لن يفاجأ بدفاعها المستميت عن إسرائيل الذي يأتي ضمن أولوياتها، ضاربةً بعرض الحائط المعايير المهنية والإنسانية كلها، ورسالة الصحافة في المقام الأول. في السنوات الأخيرة، كشّرت المحطة عن أنيابها وكمّت أفواه الصحافيين الذين يُعربون عن تضامنهم مع الفلسطينيين في ما يشبه عملية صيد ساحرات، فسقطت ورقة التوت عن معاييرها المزدوجة في التعامل مع شعارات مثل حرية الرأي والتعبير والديموقراطية. وكانت الشبكة الألمانية قد صرفت مجموعة من موظفيها العرب المناصرين للقضية الفلسطينية، على رأسهم مدير مكتب بيروت، باسل العريضي، بدعوى «معاداة السامية». جاء ذلك بعدما قامت المحطة بعملية تجسس مخابراتية على صفحات الصحافيين الخاصة، لتعلن عن لائحة طويلة من الإعلاميين المصروفين (al-akhbar.com/Keyword/5166). بكل صلافة واحتقار للمحيط الذي تبثّ منه، واصلت «دويتشه فيله» العمل على الأراضي اللبنانية، معلنةً عن تعيين الصحافي محمد شريتح مديراً لمكتب بيروت خلفاً للعريضي، علماً أنّ الشبكة باتت تفرض على أي صحافي يلتحق بفريقها أن يوقّع على تعهّد ينصّ على «حقّ إسرائيل في الوجود»، وهذا الأمر مخالف للقانون اللبناني!
مع انطلاق عملية «طوفان الأقصى»، كانت قناة «دويتشه فيله» أمام امتحان عرفت نتائجه مسبقاً. إذ تكشف المعلومات لنا أنه يوم الإثنين الماضي، تبلّغ العاملون في القناة عن توقيت اجتماعهم التحريري الأسبوعي الذي يُعقد كلّ أربعاء لمناقشة بعض القضايا التي تتعلق بعملهم. ولكنّ العاملين في الشبكة على اختلاف مكاتبها وفروعها في الدول العربية والأجنبية، فُوجئوا بدعوتهم إلى الاجتماع الذي ناقش السياسة التحريرية التي يجب أن يتبعها الصحافيون لتغطية عملية «طوفان الأقصى»! تلفت المصادر إلى أن الاجتماع عن بُعد حضره قرابة 400 موظف، وتولت إدارته الألمانية سارة هوفمن. والأخيرة استُحدث لها مركز إعلامي في الشبكة الألمانية قبل أزمة صرف الموظفين العرب، لتتبوّأ منصب «رئيسة فريق الخبراء لمواجهة معاداة السامية»، وهو قسم تابع لرئاسة التحرير مباشرة.
على الضفة نفسها، توضح المعلومات أنّ هوفمن التي عاشت قرابة خمس سنوات في فلسطين المحتلة، قبل أن تستقر أخيراً في ألمانيا، أعطت تعليماتها في خصوص الخطة التحريرية التي يجب اتّباعها هذه المدة لتغطية أخبار «طوفان الأقصى». وشددت هوفمن على الجمل والتعابير التي يجب استخدامها في التقارير والتغطيات الإعلامية في فلسطين، من بينها ضرورة التذكير في كل تقرير بأنّ «ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية تصنّف «حماس» منظمةً إرهابية». وشددت هوفمن على أنه يجب ذكر هذه النقطة المتعلّقة بـ «حماس» مرة على الأقل في التقرير. كذلك، أشارت هوفمن إلى أنه يجب التأكيد في التقارير أنّ إسرائيل تقصف حالياً أهدافاً لها في غزة، ولا يتعلق الأمر بتاتاً بعملية قتل وإبادة للشعب الفلسطيني! ولفتت الصحافية الألمانية إلى أنه يجب ذكر أن الحرب على غزة هي ردّة فعل على هجوم «حماس» على «المواطنين» الإسرائيليين، واصفةً العملية بأنها دفاع عن النفس!
التذكير في كل تقرير بأنّ حماس مصنَّفة «إرهابية»


في السياق نفسه، تشير المصادر إلى أن الصحافية العراقية ياسمين الجنابي، وهي «مسؤولة الأمان في وسائل التواصل الاجتماعي» في «دويتشه فيله»، تناوبت على الاجتماع أيضاً. وتحدثت الجنابي عن التعليقات التي يجب حذفها عن منصات القناة الألمانية، لأنّها تنتقد الإبادة التي يمارسها «الجيش» الإسرائيلي بحقّ أهالي غزة! وفي الأخير، لوّحت إدارة «دويتشه فيله» بورقة الطرد لكلّ من لا ينصاع إلى رغبتها في تزوير الحقائق والوقائع والتاريخ كرمى للصهيونية.