قد لا يعرف كثيرون في المشرق العربي من هو بين شابيرو، المحامي الأميركي اليميني والمتشدد (ultra-orthodox بالمعنى السياسي)، لكن الشاب المشهور حالياً الذي بدأ بكتابة المقالات صغيراً في السن، لا يبدو أنه قد «نضج» قيد أنملة. من يتابع تغريدات المراهق فكرياً، يلاحظ أنه فقد عقله منذ بداية أحداث «طوفان الأقصى»، مطلقاً العنان لنوعٍ من التحريضات (لا التغريدات) تجاه الشعب الفلسطيني والعرب عموماً، تفوق ما يمكن لأعتى عتاة النازية قوله.يشير المتطرّف الصهيوني في برنامجه «الردحي» (يمكن استخدام كلمة slurping بالإنكليزية كموازاة لكلمة «ردح» بالعربية) «الخطّ الساخن»، إلى أنّه «في حال هجمت الدول العربية على إسرائيل، فإنّها ستضطر لاستخدام السلاح النووي». هكذا بكل بساطة يتحدّث رجلٌ يجلس في أميركا عن الشرق الأوسط وأحداثه. يدعو إلى «جرائم حرب» بشكلٍ دائمٍ ومستمر، وليس استخدام السلاح النووي آخرها أو أولها حتى. يتبنى خطاب المظلوميّة ويأخذ رواية القتيل/ الضحية، فيشير في البرنامج التلفزيوني نفسه إلى «أنّها معركة حق مع الباطل، إما أن تكون معنا، وتؤيدنا أو تكون ضدنا. أما أن تكون بلا رأي، فإنك بذلك تسهم في قتلنا». إنها السردية الفلسطينية الحقيقية والحقّة التي يستخدمها شابيرو في الضغط على المجتمع الأوروبي/ الأميركي. هو لا يخاطب هنا واحداً أو اثنين، بل ببساطة يحاول مخاطبة العقل الجمعي الغربي بهذه الطريقة. لطالما حظي اليهود ـــ ولاحقاً ورثتها الصهيونية ـــ بنوعٍ من «المظلوميّة» التاريخية كما يشير روجيه غارودي في كتابه «الأساطير المؤسسة للثقافة الصهيونية». هذه المظلومية هي التي يستند إليها شابيرو في كل تغريداته وبرنامجه السياسي العنصري والقبيح. خطاب المظلوم المقهور لا الجيش الذي أقام دولة يمتلك فيها مئات الطائرات، عشرات آلاف الصواريخ، مفاعلاً نووياً ومئات القنابل النووية التي يستعد لإطلاقها في حال «تمت إثارته أو الضغط عليه».
يعلّق على كل الأحداث بشكلٍ حماسي ومتواصل متحدثاً عن كل شيء. مثلاً، يعلّق على فيديو مقاتلي حماس «اللطيف» إذ يحملون أطفالاً إسرائيليين ويعاملونهم برفقٍ ولين، ويقول بالفم الملآن وبثقةٍ تامة: «سيقتلونهم بعد حين». كيف يعرف أنهم سيقتلونهم؟ لا أحد. إنه خطاب الأغبياء كما يشير علم النفس الحديث. إذ إن الغبي لا يُناقش أفكاره بل يعتبرها مسلّمات، الأسوأ أنه مستعدٌ أن يقتل لأجلها. شابيرو لا يكتفي بكل ذلك، بل يبدأ بتخليق أكاذيب من نوعٍ خاص، فينشر على صفحته صورة «مخلّقة» بواسطة الذكاء الاصطناعي (AI) مشيراً إلى أنها صورة لطفل «صهيوني» قتلته «حماس». طبعاً جاءه الرد سريعاً من الصحافي الأميركي ديفيد هينكل، الذي شرح الفكرة. اللافت أنَّ شابيرو أصر على كذبته ضمن منطق «اكذب اكذب حتى تصدق أنت وجميع من في الكوكب كذبتك». لقد نجح شابيرو وأمثاله في تحويل قصة The Boy Who Cried Wolf إلى واقع، لكنه واقعٌ معدّل: لا يزال الناس يصدّقون أن الذئب قادم، وأن هذا الدجّال صادقٌ في ما يقوله. من يراقب أسماء مقاطعه المصوّرة على صفحته على اليوتيوب مثلاً، يمكنه بسهولة تحديد كيف يعمل. مثلاً هناك فيديو يسمى «إنهم هنا»، يظهر الفيديو ومن صورته الغلاف أنه يتحدّث عن «مؤيدي» الشعب الفلسطيني الأميركيين أو العرب من أصول أميركية. جملة «إنهم هنا» مفتاحية، استخدمتها هوليوود في الحديث عن «الكائنات الفضائية»، وأيضاً في الحديث عن «طابور خامس» شيوعي أو سواه في مواجهة «الحضارة» البشرية الأرضية الأميركية. فيديو آخر يسميه «وجه الشر المطلق» (The face of absolute evil). تظهر الصورة بوضوح مقاومين فلسطينيين ربما من كتيبة جنين الشهيرة.
برنامجه «الخطّ الساخن» يعمل على شيطنة العرب والفلسطينيين

يستخدم الرجل حقه في «الحديث إعلامياً» بشكلٍ توظيفي للغاية، إنها معركة وهو جزءٌ منها بكل ما أوتي من قوة. في فيديو آخر يشير بالحرف: «لينتقم الله لأجل دمائهم» (may god avenge their blood)، إنه ذات خطاب المظلوميّة المقزّز غير المستحق. في فيديو قصير لا يتعدّى الأربع دقائق باسم «لا تشح بوجهك»، يشرح بخبثٍ شديد للمشاهد ما هو «منتظرٌ» منه كمشاهد: «أنا سأريكم مشاهد قد لا تحبون رؤيتها، ولكن من الضروري ذلك. لا يمكنك أن تظل تخبر نفسك «الأكاذيب» بعد أن ترى هذه الصور». طبعاً الفيديو هو لمسؤولَي «حماس» المقاوم أبو خالد الضيف، ومسؤول المكتب السياسي أبو العبد هنية. بعدها ينشر فيديو لرجل فلسطيني يرتدي الحطّة والعقال. يقول إنّهم –أي الشعب العربي والفلسطيني- «يريدون العودة إلى أرض آبائنا وأجدادنا» (المتحدث يقول هذا). ما الإشكالية في كل ما عرضه؟ ما المشكلة؟ إنه يستخلص الحكمة لمشاهديه: «حماس لا تفكر مثلك». إنها لعبة شيطنة الآخر وتوحيشه (تحويله إلى وحش): إنه ليس مثلك، ليس مثلنا، بالتالي يمكنك قتله، لا بل من الضروري قتله. شابيرو الذي يفتخر بكتابه الأوّل «غسل الدماغ: كيف تعلّم الجامعات شباب أميركا»، يعرف جيداً كيف يغسل دماغ متابعيه، إنه نوعٌ من الهجوم الساحق الماحق تارةً بالصور، وطوراً بالتغريدات، والفيديوات. ساعتها يختلط المعنى أمام المتابع، ولو كانت هذه التغريدات/ الفيديوات/ الصور كاذبة، ملفقة، أو مصنوعة حتى. منطق هذا «السيل» الثقافي المرمي على «المتلقي» يجعله متأثراً وحتى متحمساً لفكرة «القضاء على العرب»، و«قتل الفلسطينيين»، و«حرقهم»، و«تقطيعهم». هي كلها أمورٌ قالها ويقولها شابيرو في برنامجه، معطياً نوعاً من الغطاء الأخلاقي والثقافي والمقبوليّة لحرب الإبادة العنصرية التي يمارسها العدو الصهيوني حالياً.

فيديو لا تشح بوجهك:


صفحة جاكسون هينكل:
https://twitter.com/jacksonhinklle