أعلن الملياردير الجنوب أفريقي، إيلون ماسك، مؤسّس ومدير عدد من الشركات من بينها «تسلا» و«سبايس إكس» و«نورالينك» و«إكس كورب»، أوّل من أمس السبت، أنّه سيتيح خدمة الإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية «ستارلينك» فوق غزّة إلى «منظمات الإغاثة المعترف بها دولياً». وبعد ساعات قليلة، قال ماسك مجدداً على منصة X (تويتر سابقاً): «سندعم الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الأخرى المعترف بها دولياً». جاء ذلك بعدما تصدّر وسم Starlinkforgaza# قائمة الترند على X بملايين المتفاعلين، في ليلة قصف تُعدّ الأعنف على غزّة منذ بدء العدوان. ثم أجرى ماسك حوارات مع نشطاء ومسؤولين عن المنصة أثاروا مخاوفهم بشأن انقطاع جميع شبكات الإنترنت والاتصالات في القطاع وعواقبه، خصوصاً على عمليات الأمم المتحدة وخدمات الرعاية الصحية. وعندها قرّر ماسك السير بما أعلن عنه.«ستارلينك» كوكبة من آلاف الأقمار الاصطناعية التي وضعتها شركة «سبايس إكس» في مدار منخفض حول كوكب الأرض، تهدف إلى بث إنترنت عالي السرعة من الفضاء إلى المناطق المحرومة والنائية حول العالم، بالإضافة إلى تقديم خيار إنترنت تنافسي في المناطق الأكثر كثافةً على الصعيد السكاني.

(دعاء العدل ــ مصر)

لا يكفي وجود أقمار مشروع «ستارلينك» وتفعيلها فوق غزة كي يصل الإنترنت، فهم بحاجة إلى صحون لاقطة صغيرة وأجهزة «راوتر» تقدّمها الشركة، أي الكهرباء أيضاً. ويحضرنا هنا يوم أُدخلت هذه الصحون والمعدات الخاصة بـ«ستارلينك» إلى أوكرانيا، بعد قطع الإنترنت عنها مع دخول روسيا. والجدير ذكره هنا، أنّ أوكرانيا اعتمدت بصورة أساسية على تلك الأجهزة للقيام بعمليات نوعية ضد الجيش الروسي عبر الطائرات من دون طيار.
ولعل الأمر الأكثر غرابة، كان عندما صدرت سيرة جديدة تروي حياة إيلون ماسك، عبر المؤلف الشهير والتر إيزاكسون، في أيلول (سبتمبر) الماضي. زعم الكتاب أنّ أغنى رجل في العالم، تدخّل مباشرة ومنع هجوماً على السفن الحربية الروسية في البحر الأسود. وذكر أيضاً تورط ماسك في الحد من تغطية شبكة «ستارلينك» للجيش الأوكراني بالقرب من شبه جزيرة القرم، وأضاف: «نتيجة لذلك، عندما اقتربت الغواصات الأوكرانية من دون قبطان من الأسطول الروسي في سيفاستوبول، فقدت الاتصال وانجرفت إلى الشاطئ من دون أن تسبّب أي ضرر». ثم تابع أنّ ماسك فعل ذلك خوفاً من ردّ نووي روسي. بعد ذلك، نفى ماسك إيقافه الأقمار، ونشر على X رداً في السابع من أيلول 2023، جاء فيه: «لم يتم تنشيط «ستارلينك» في المناطق المعنية. ولم تلغِ «سبايس إكس» تنشيط أي شيء». ثم عاد المؤلف إيزاكسون ونشر توضيحاً على X في التاسع من الشهر نفسه، جاء فيه: «لتوضيح مسألة «ستارلينك»: اعتقد الأوكرانيون أنّ «ستارلينك» مفعّلة على طول الطريق إلى شبه جزيرة القرم، لكنها لم تكن كذلك». ثم سحب النص القديم من الطبعة الأولى للسيرة على أساس أنّه سوء فهم من المؤلف وانتهت القصة.
بالعودة إلى غزة، ليل السبت، قال وزير الاتصالات الإسرائيلي، شلومو كاري «إن إسرائيل ستستخدم كل الوسائل لمنع إيلون ماسك من تزويد منظمات الإغاثة في غزة بالإنترنت» وأن قادة الاحتلال اتخذوا هذا الموقف بناءً على تصريحات ماسك. وأعاد كاري التأكيد على ما قاله في تغريدة على منصة X موجهة إلى إيلون ماسك، مضيفاً أن حركة حماس ستستخدم «ستارلينك» في الأنشطة «الإرهابية». فرد ماسك في تعليق «نحن لسنا ساذجين جداً. سنتخذ إجراءات استثنائية للتأكد من أن ستارلينك يستخدم فقط لأسباب إنسانية بحتة. علاوة على ذلك، سنقوم بإجراء فحص أمني مع كل من الحكومتين الأمريكية والإسرائيلية قبل تشغيل حتى محطة واحدة». بعزل عن ما تفوه به شلومو كاري، لنفترض أن معدات الاتصال بأقمار ستارلينك وصلت بطريقة ما إلى غزة، ماذا يعني ذلك؟ هذا النوع من الاتصالات لا تراقبه أي سلطة في المكان الذي يُستخدم، أي أن الاتصال مباشر بين المستخدم وبين الأقمار الاصطناعية، أي لا يمر عبر كيان العدو ولا عبر مصر. أيضاً، نذكر أنه عندما حاول الجيش الروسي تخريب إشارة «ستارلينك» فوق أوكرانيا، عمل مهندسو «سبايس إكس» مالك الخدمة على حماية من التشويش خلال ساعات قصيرة وبقيت مفعلة إلى الآن. بالتالي، من المحتمل أيضاً أن لا تستطيع إسرائيل تخريب البث، علماً أن الخدمة ستكون لمنظمات إغاثة، لا إلى مقاتلين مثل أوكرانيا. وبحسب تعليق ماسك الأخير، أقمار «ستارلينك» ستبث الإنترنت فوق غزة، لكن سيتم التأكد من أن كل صحن لاقط للإشارة تستخدمه فقط منظمة إغاثية.
عندما قدم إيلون ماسك «ستارلينك» لأوكرانيا، دفع له البنتاغون ملايين الدولارات من أجل تلك الخدمة


كيان العدو يريد للمجزرة الكبرى أن تحدث في الظلام، وألا يرى العالم «جيش» إسرائيل الذي لا يميز بين طفل وبين مقاتل، وبين مبنى سكني أو مستشفى أو دشمة عسكرية. استهدافه للصحافيين في غزة أبرز دليل على ذلك، وكذلك تعمّده قطع الإنترنت. هو يعلم خير المعرفة تأثير منصات التواصل الاجتماعي والشبكة العنكبوتية الكبير في الرأي العام العالمي، والغربي تحديداً. هكذا، سيحاول بشتّى الطرق منع وصول معدات «ستارلينك»، حتى إنّه قد يتهم المقاومة باستخدامها في حال ظهرت في غزة.
في ما يخص إيلون ماسك، يتعيّن ألا تدفعنا عاطفتنا تجاه القضية الفلسطينية إلى النظر إلى قراره على أنّه تضامن مع شعبنا وقضيتنا، فالرجل واضح، يحرّكه المال ولا شيء آخر. عندما قدم «ستارلينك» إلى أوكرانيا، دفع له البنتاغون ملايين الدولارات من أجل تلك الخدمة، وإذا فُعّلت لمنظمات الإغاثة في غزّة، فسيحصل على ملايين الدولارات من الجهات المانحة بطبيعة الحال، أو سيهدّد بإيقافها كما فعل أيضاً مع أوكرانيا. ومن المتوقع أن نشهد حملات ضد ماسك على الصعد كافة، في حال وصلت تلك المعدّات إلى غزة التي عادت الاتصالات إليها تدريجاً منذ أمس الأحد. حملات بدأت فعلاً عبر الصحف العبرية، التي تشنّ هجوماً عليه منذ ليل السبت الماضي، متهمةً إياه بالسماح بانتشار «خطاب الكراهية ومعاداة السامية» على منصة X، ومحذّرة من وصول الخدمة إلى غزة «التي تسيطر عليها حركة حماس» على حدّ تعبيرها.



«أبراجك» يا مصر
يستخدم المصريون السوشال ميديا، خصوصاً فايسبوك وX بصورة كبيرة لدعم غزة. تدرّج الاستخدام وتشعّب وفقاً للأحداث. بداية من التهليل لـ «طوفان الأقصى»، ثم التضامن مع أهالي غزة في القصف الأوّل، ثم التعاطف الشديد وإعلان الحداد بعد مجزرة «مستشفى المعمداني» تحديداً. تزامن ذلك مع دعوات مكثفة لمقاطعة سلع الشركات الداعمة للكيان الصهيوني. كما أنّ أهل المحروسة يهاجمون بشدّة أي شخصية عامّة لا تعلن تضامنها مع الفلسطينيين. وأبرز مثال على ذلك هو ما حدث مع نجم كرة القدم محمد صلاح. وبدا لافتاً هذه المرّة أنّ كلّ محاولات تثبيط العزائم فشلت خلافاً للعادة، في ظل الرد عليها بعنف. وهذا ما حدث حين قوبلت مقولة «حب وطنك زي ما بتحب وطن الجيران» بسخرية شديدة، ولوحظ أيضاً عدم انتقاد حركة «حماس» أو ربطها بحركة «الإخوان المسلمين»، حتى من الإعلاميين الذين كانوا يهاجمونها في عام 2011 (باستثناء إبراهيم عيسى).
مساء أوّل من أمس السبت ومع أنباء عن اجتياح برّي إسرائيلي للقطاع تزامناً مع قصف وحشي، شارك المصريون، ومنهم شخصيات بارزة، هاشتاغ Starlinkforgaza# للضغط على إيلون ماسك لتقديم الخدمة إلى غزّة. بعدها، برزت مطالبات لشبكات الاتصالات العاملة في مصر، وهي «أورانج» و«فودافون» و«اتصالات» و«وي»، لتوسيع خدماتها لتشمل القطاع المحاصر وسط انقسام حول أنّ الشبكات ليست مصرية خالصة (ما عدا «وي»)، بالتالي لن تقدم على ذلك، ناهيك بالتفاصيل التقنية المرتبطة بشرائح الغزيين التي يرجّح أنّها ستحول دون ذلك. وقبل أن تعود الشبكات للعمل تدريجياً صباح أمس الأحد، صرّح مصدر في «فودافون» أنّ الشركة ستوفّر الشبكة لمسافة 10 كيلومترات داخل القطاع. وبعدها، تراجعت الشركة لتصدر بياناً مقتضباً يؤكّد أنّه بعد التنسيق بين الجانبين المصري والفلسطيني، «ستكون شركات الاتصالات على أهبة الاستعداد لإرسال أبراج المحمول لزيادة التغطية أو ما سيُتّفق عليه بين الجهات المعنية»، لينقسم بعدها الرأي العام بين مؤيد ومعارض.


عودة الإنترنت
قالت منظمة «نت بلوكس» لمراقبة الشبكات إن خدمة الإنترنت بدأت تعود تدريجياً إلى قطاع غزة أمس بعدما «انقطعت الجمعة في عمليات قصف إسرائيلية مكثفة».
وذكرت «نت بلوكس» عبر منصة إكس (تويتر سابقاً) إن «بيانات الشبكة في الوقت الحقيقيّ تُظهر أن الاتصال بالإنترنت يعود» تدريجياً في قطاع غزة. وأكد أحد المتعاونين مع وكالة «فرانس برس» في مدينة غزة أنه تمكن من الاتصال بالإنترنت وبشبكة الهاتف الخليوي وأنه استطاع الاتصال بأشخاص آخرين. كما أعلنت «بالتل»، مجموعة الاتصال الرئيسية العاملة في قطاع غزة، وشركة «جوال» التابعة لها، عبر فايسبوك، عن «العودة التدريجية لخدمات الاتصالات (الثابتة والخلوية وبالإنترنت) التي انقطعت في قطاع غزة بسبب القصف مساء الجمعة». وقد أدى انقطاع الاتصالات هذا إلى منع ملايين السكان من التواصل مع أقاربهم خارج قطاع غزة المحاصر أو داخله. وسبق لمنظمات دولية، بما فيها الهلال الأحمر الفلسطيني ووكالات أممية، أن أشارت إلى أنها فقدت الاتصال بأفراد طواقمها في غزة.