القاهرة | بينما تتواصل آلة القتل الإسرائيلية في غزة، تستمرّ القنوات التلفزيونية المصرية في تغطية الحرب بتماهٍ مع توجّه الدولة المصرية، سواء أفي الموقف من الحرب كلّها، أم من الحديث عن تهجير الفلسطينيين إلى جنوب غزة أو خارج الحدود. تغطيات يومية إخبارية مكثفة «أنقذت» الإعلام المصري الذي انفضّ عنه المشاهدون منذ سنوات، نظراً إلى الظروف السياسية السائدة في مصر التي تمنع أي نقاش حقيقي لأي قضية ولو عابرة عبر القنوات الفضائية، فضلاً عن كون مالك معظم القنوات هو «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» المملوكة للاستخبارات المصرية. ورغم انطلاق الحملات الدعائية للانتخابات الرئاسية المقررة في كانون الأول (ديسمبر) وظهور صور للمرشحين الرئاسيين الأربعة في شوارع القاهرة، إلا أنّ غزة لا تزال تسيطر على نشرات الأخبار والمتابعات اليومية المعتادة، سواء عبر مراسلين في القطاع أو من القاهرة. علماً أنّ قناة «القاهرة الإخبارية» فقدت أحد مصوّريها أثناء تغطية الأحداث من داخل فلسطين.
من البرنامج

وعلى جانب آخر، عرضت أول من أمس حلقة جديدة من برنامج «الدحيح» الذي يقدمه أحمد الغندور عبر موقع يوتيوب بصورة أساسية، وتنشر منه فيديوات عبر منصات السوشيال ميديا الأخرى كفايسبوك وإنستغرام. حلقة «فلسطين... حكاية الأرض» (62 دقيقة) التي كانت الأطول في تاريخ البرنامج، تركّزت بصورة أساسية حول التاريخ وكيفية قيام الكيان العبري منذ أن كان فكرةً حتى إعلان الدولة في أيار (مايو) 1948 بناء على قرار التقسيم الشهير، وتكررت فيها مفردات «القتل» و«الإبادة» و«التطهير». بدأت الحلقة من دون دخلة كوميدية كما هي الحال في حلقات البرنامج، بل بالحديث عن كيبوتز «نحشوليم» الذي شُيِّد على مقابر جماعية لفلسطينيين استشهدوا في مذبحة ارتكبها إسرائيليون في عام 1948، بحق أهل قرية الطنطورة الفلسطينية. ووصف مقدّم البرنامج إسرائيل بأنّها «طبقة من التحضر والتقدّم وأسفلها بمتر واحد تاريخ من القتل والإبادة العرقية»، ساخراً من فكرة أنّ دولة الاحتلال تقول عن نفسها إنها الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط. وتطرق الدحيح إلى «قانون النكبة» الإسرائيلي الذي يمنع أي تمويل لأي مكان يمكن أن يروّج لأي سردية بعيدة عن الأساطير الإسرائيلية الكاذبة عن دولتهم المزعومة «لتبقى الأساطير كما هي من دون تكذيب».
اعتمدت الحلقة على نحو شبه كامل على مصادر إسرائيلية، إذ قال الغندور إنّه أراد أن يعرف الجمهور ما يقوله اليهود عن إنشاء دولتهم، والسرديات الإسرائيلية لكيفية بناء الدولة، وكيفية تحوّل العصابات اليهودية إلى ما يسمّى اليوم «جيش دفاع». حاول الغندور شرح كيفية عمل إسرائيل على رواية قصتها على نحو يجعل من لا يعرف شيئاً عن «دمويّتها» يشعر كأنّها تسعى إلى السلام، مستثمرةً في احتلال الخيال الغربي والمواطن الغربي الذي لا يهتم كثيراً بما يحدث خارج بلده. وأشار إلى أنّه رغم مزاعم الصهيونية عن معاناة اليهود الصعبة قبل احتلال فلسطين، فقد كانوا يعيشون آمنين في الدول العربية، بينما كان يهود أوروبا يتعرّضون للتنكيل والقتل والتمييز. ويبدو أن الهدف الأساسي من الحلقة يتمثّل في الإضاءة على كيفية مساعدة الاستعمار وتحديداً البريطاني، في قيام الكيان العبري في أراض فلسطين التاريخية.
تطرق الغندور إلى ما فعله الشهيد عزّ الدين القسام الذي كوّن «العصبة القسامية» عام 1935 لمواجهة الاحتلال البريطاني الذي استشهد القسّام على أيدي جنوده في معركة غير متكافئة في قرية نزلة الشيخ زيد، ما أدى إلى اندلاع الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936. والقسّام هو الاسم الذي يُطلق على الجناح العسكري من «حركة المقاومة الإسلامية ــ حماس».
قال المعجبون إنّها أفضل حلقات البرنامج إطلاقاً


لم تتطرّق الحلقة إلى ما يحدث اليوم في غزة باستثناء الدقائق العشر الأخيرة منها، لأنّ «الدحيح» في النهاية مُنتَج إعلامي ليس معنياً بالأخبار بقدر ما يقدّم حلقات عن موضوعات تسمّى «إيفر غرين» بطريقة تبقى راهنة من دون أن تقتلها الأحداث المتصاعدة. ولا ننسى أنّ مُنتِج برنامج «الدحيح» هي «أكاديمية الإعلام الجديد» الإماراتية التي تأسست عام 2020 برعاية من حاكم إمارة دبي، في بلد أوغل في التطبيع مع العدو الصهيوني. وقد طالت الشركة أيضاً اتهامات التطبيع نظراً إلى عملها السابق مع برنامجي «ناس ديلي» و«أكاديمية ناس» اللذين يضمّان إسرائيليين. دفع هذا الأمر الجمهور إلى الإعلان عن مقاطعة البرنامج، ولكن الشركة أكدت في بيان أنّ علاقتها بمؤسسة «ناس ديلي» قد انتهت قبل سنة من تعاقدها مع «الدحيح».
وصلت مشاهدات حلقة «فلسطين... حكاية الأرض» إلى 150 ألفاً عبر يوتيوب فقط في الساعات الثلاث الأولى من نشرها، وكالعادة أثارت جدلاً عبر منصات التواصل الاجتماعي. أشار المنتقدون إلى أنّ الغندور لم يتحدّث عن المقاومة الحالية وتاريخها، فيما قال المعجبون إنّها أفضل حلقات البرنامج إطلاقاً وتُعتبر درساً عن العنصرية الإسرائيلية. وقد انتهت بشكل مفتوح من دون أي توضيح ما إذا كانت حلقةً وحيدةً أم هناك حلقات أخرى في المسار نفسه.