ليوناردو دي كابريو وروبرت دي نيرو في الفيلم
نحن لا ننظر إلى فيلم يحمل رسالته إلى الأمام، أو كما يقولون، ملتزم اجتماعياً، حتى لو كانت القصة تتمحور حول ظلم اجتماعي نريد التنديد به. ليست هذه الحال في «قتلة زهرة القمر»، لأن جوهر بنيته السردية وخلفيته الدرامية، وسياقه التاريخي هي الأكثر بروزاً. سكورسيزي يدين لكنّه لا يستعطف، ينتقد بطريقة مباشرة بلا قفازات. يتخلل الألم واليأس كل إطار من الفيلم، وعندما يظهر العنف أخيراً، فإنه يصل بطريقة فظة وسريعة وصريحة، ما يجعله أكثر صدمةً. على مدار ثلاث ساعات ونصف الساعة، يعرض سكورسيزي الكوارث، بعضها مخطط له والبعض الآخر مرتجل. وكما هو معتاد في العديد من أفلامه، يحتفظ بجزء كبير من الوقت لوصف سير العالم الذي يعيش فيه أبطاله وشخوصه: من هم؟ ماذا يفعلون، وبشكل أساسي، كيف تتم إدارة الاقتصاد المعقّد للمكان؟ شيئاً فشيئاً، يسمح للكوميديا السوداء بالتغلغل في الفيلم لتفاجئنا في ملاءمتها لمناخ الشريط... حتى نصل إلى النهاية المفاجئة التي يعيد فيها سكورسيزي البرنامج الإذاعي The Lucky Strike Show، ليختم فيلمه بأقوى طريقة ممكنة، نهاية مفاجئة ولكن لا يمكننا أن نتخيل نهاية مغايرة لفيلم مماثل.
في «قتلة زهرة القمر»، قدم مارتن سكورسيزي ملحمة درامية، وثيقة تاريخية، اجتماعية وسياسية. وقصة حب وزواج عظيمة، مجبولة بأفلام عصاباته ووجدانه الديني. في الفيلم أنقاض العالم القديم والحديث، وتراكم بقايا الماضي المفروض والمرفوض، يضاف إليه الحاضر المتجاهل. تُستخلص منه شهادات أولئك الذين تم إسكاتهم ونسيانهم في هذه الأنقاض. والأنقاض هنا ليست معبداً أو مبنى، بل أنقاض العالم الذي شهد بداية القرن العشرين. «من يعرف أين يُصنع التاريخ؟» يسأل سكورسيزي، ثم نكتشف معه عالم الاحتمالات، على خلفية نقد التاريخ الأميركي الذي تجاهل الرعب والمعاناة والمآسي الإنسانية عندما كتبه المنتصر الأبيض.
* Killers of the flower Moon في الصالات