تشارك «دار الآداب» البيروتية بمجموعة مميزة من الإصدارات الجديدة في «معرض بيروت العربي الدولي للكتاب» الخامس الذي أطلق «النادي الثقافي العربي» فعالياته أول من أمس الخميس. ليس مفاجئاً أن تتصدر قضية فلسطين، وسط الأحداث الراهنة في غزة، واجهة الإصدارات للدار الملتزمة بقضايا العرب الكبرى وأوّلها القضية الفلسطينية منذ تأسيسها على يد الراحل سهيل إدريس (1925-2008). نهج ثابر عليه من بعده ابنه الراحل سماح إدريس (1961-2021) في رؤية الدار ومجلة «الآداب»، إذ إن الزائر لصفحات الدار على وسائل التواصل الاجتماعي، أول ما يطالعه هاشتاغ «فلسطين تعلّمنا» أو «فلسطين روايتنا». تستعيد الدار مقتطفات من إصداراتها المتعلقة بفلسطين من «البئر الأولى» لجبرا إبراهيم جبرا، أو كتب إدوارد سعيد، أو «صناعة الهولوكوست» لنورمان فنكلشتين ومقتطفات من أعمال سحر خليفة وعدنية شبلية وناصر أبو سرور وغيرهم.
محمد الخيّاط ـ «أبناء الأرض» (أكريليك على كتّان ـــ 80 × 80 سنتم ــ 2023)

إصدارات ثلاثة تدور في فلك الحدث الفلسطيني ستكون حاضرة بقوة في معرض بيروت للكتاب، أولها رواية «قناع بلون السماء» للروائي الفلسطيني الأسير باسم خندقجي، التي تروي حكاية «نور» عالِمُ آثار يُقيم في مخيّم في رام الله، يجد ذات يوم هويّة زرقاء في جيب معطف قديم. تتخذ هذه الحادثة عند خندقجي منعطفاً سردياً يرتدي فيه البطل قناع المُحتل في محاولة لفهم وتفكيك الأيديولوجيا الصهيونية في تحوّل «نور» إلى «أور». وتتصاعد الحبكة في انضمامه إلى بعثة تنقيب في إحدى المستوطنات، تتجلى فلسطين المطمورة تحت التربة بكلِّ تاريخها. خندقجي الذي سبق وأصدرت له دار الآداب رواية «خسوف بدر الدين» (2020) يدخل في روايته الجديدة حقل ألغام كبير في السياسة والتاريخ والجغرافيا، بين الهوية الأصلية والهوية الزرقاء والتصريح، بين السرديّة الأصليّة المهمّشة والسرديّة المزيّفة السائدة. الإصدار الثاني هو كتاب «الفلسطينيون والتحرّر: موقف مسيحي» لخريستو المر الذي يقدّم رؤيةً إنسانيّةً إيمانيّةً للموقف الواجب اتّباعه في قضيّة تحرّر الشعب الفلسطينيّ من الاحتلال ونظام الفصل العنصري الإسرائيلي في فلسطين. وإذ يقدّم الكاتب موقفاً من القضيّة الفلسطينيّة من منطلق الإيمان المسيحي، إلّا أنّ الكتاب كما جاء في نبذة الدار «ليس كتاباً دينيّاً بقدر ما هو كتابٌ في الترجمة الحياتيّة اليوميّة للإيمان في موضوع القضيّة الفلسطينيّة كونها قضيّة إنسانيّة. ولذا، فهو كتابٌ يستطيع الملحد، واللاأدريّ، والمؤمن من أيّ دين، قراءته والتفاعل معه لما يحتويه من رؤى إنسانيّةٍ تشدّد على محوريّة الإنسان والدفاع عن حياته كمقياسٍ لصدق مطلق أيّ إيمان، وضرورة الوقوف إلى جانب المظلوم من دون تردّد مهما كانت هويّة الظالم، خارجيّاً كان أم داخليّاً». ثالث الإصدارات هو كتاب «النكبة المستمرة» للروائي اللبناني الياس خوري، والافتراض الذي ينطلق منه هذا الكتاب هو أنَّ النكبة لم تبدأ وتنتهِ في عام 1948، وإنَّما هي مسارٌ بدأ في عام 1948، ولا يزال مستمرّاً حتى الآن: «تُعالج النصوص الوجوه المتعدِّدة للنكبة الفلسطينيَّة المستمرَّة، وتقترح رؤيةً جديدةً إلى المشروع النكبويّ الذي لا يمكن دحره سوى بالمقاومة المستمرَّة التي لم ولن تتوقَّف. في مواجهة النكبة المستمرَّة، ولدت المقاومة المستمرَّة، وفي مواجهة الغزو، يتمسَّك الفلسطينيُّون بأرضهم وكرامتهم وحقّهم في الحياة».
كما لم تنسَ «دار الآداب» توجيه تحية إلى مديرها الراحل سماح إدريس المثقف العروبي والمناضل والمؤسس المشارك في «حملة مقاطعة داعمي إسرائيل في لبنان». إذ أصدرت «قمر» وهي رواية لليافعين أنجز إدريس جزءاً كبيراً منها قبل وفاته، وأنهتها بناءً على وصيته الكاتبة فاطمة شرف الدين. المثقف المشتبك الذي ذاب في القضايا التحررية حتى النخاع، كان قد أشار في إحدى تغريداته الأخيرة إلى «قمر» الذي سيكون الشخصية التي ينطلق منها إدريس لمخاطبة الفتيان والفتيات بلغة عصرهم، منطلقاً من الحيل الذكية والطريفة للهرّ الذي تركته ابنته في عهدته بعد سفرها للدراسة في الخارج.

تطلق «دار الآداب» رواية «قمر» اليوم السبت بين الساعة الرابعة والسادسة مساء، ويوقع الإعلامي زاهي وهبي نيابة عن الروائي الأسير باسم خندقجي رواية «قناع بلون السماء» يوم الثلاثاء 28 نوفمبر عند الساعة السادسة مساء ــــ في جناح دار الآداب A14 ـــ مركز سيسايد ـ واجهة بيروت البحرية.