عرّى العدوان الإسرائيلي على غزة المنظومة الإعلامية الغربية التي انحازت بالكامل للسردية الإسرائيلية، بل مهّدت، في أحيان كثيرة، لآلة الإبادة الصهيونية وبرّرتها. ولعلّ «هيئة الإذاعة البريطانية» (BBC) كانت رأس الرمح في هذه الحرب الإعلامية، حتى استحالت شريكةً في حرب العدو الهمجية على القطاع عبر التضليل الإعلامي الذي مارسته منذ اليوم الأول من العدوان. لم تتوقّف السياسة التحريرية للهيئة البريطانية عند التضليل فقط، بل اعتمدت «bbc عربي» سياسة القمع وكمّ أفواه الموظفين الذين أعلنوا تأييدهم القضية الفلسطينية، متجسّسة على صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي (الأخبار 17/10/2023).بعد مرور قرابة شهر ونصف الشهر على قرار «bbc عربي»، تجميد العمل لمجموعة من موظفيها بسبب تغريداتهم الداعمة لفلسطين، قررت الشبكة إعادتهم إلى مكاتبهم «حفظاً لماء الوجه» بعد الضغوط التي تعرّضت لها بسبب انحيازها الواضح ضد الفلسطينيين في عملية «طوفان الأقصى». وقد عاد الموظفون اللبنانية سناء الخوري والمصريون سلمى خطاب، وسالي نبيل، وآية حسام، ومحمود شليب إلى مكاتبهم، باستثناء رئيسة التحرير ندى عبد الصمد التي قرّرت رفع دعوى قضائية ضد الهيئة لأسباب عدّة.
بدأت قضية موظفي «bbc عربي» بعد مرور أسبوع على عملية «طوفان الأقصى». يومها نشرت صحيفة «تلغراف» البريطانية، تقريراً عن أداء الصحافيين لدى «bbc عربي» تجاه التطوّرات الفلسطينية. وأوردت في تقريرها «أن القناة تُجري تحقيقاً عاجلاً، بعدما رصدت نشاط مجموعة من موظفيها في الشرق الأوسط الذين احتفوا على صفحاتهم بهجوم «حماس» الذي خلّف نحو 1300 قتيل إسرائيلي» على حد تعبيرها. وكشفت الصحيفة أن التقرير جاء بناء على معلومات وصلتها من موقع «كاميرا» (الصهيوني) الذي يرصد تغريدات الصحافيين وتحرّكاتهم. على أثر المقال، أبلغت «bbc عربي» مجموعة من موظفيها بتجميد عملهم التحريري، مكتفية برسالة إلكترونية لهم محمّلة إياهم أسباب قرارها. خطوة ذكّرت الصحافيين بما فعله الموقع المتأسرل اتجاه مصروفي القناة الألمانية الناطقة بالعربية DW (الأخبار 14/3/2023).
لم تحضر الصحافية اللبنانية إلى التحقيق الداخلي


في هذا السياق، تُلفت المعلومات لنا إلى أنّ الموظفين في «bbc عربي» خضعوا لتحقيق داخلي، قبل أن يعودوا إلى عملهم كأنّ شيئاً لم يكن! ووصف بعضهم قرار الهيئة الأخير بأنه استخفاف بالموظفين الذين هدرت حقوقهم المعنوية والعملية. منذ اندلاع العدوان على غزة، قدّم بعضٌ من موظفي القناة استقالتهم، على خلفية تغطيتها المتأسرلة للأخبار ووقوفها إلى جانب العدو (الأخبار 23/10/2023). وتوضّح المصادر أن الهيئة لم تتعامل مع موظفيها الذين استدعتهم للتحقيق بشكل جدّي، إن لناحية إبلاغهم بقرار التجميد أو الردّ على ما ورد في الإعلام العربي والأجنبي حول نشر أسمائهم وصورهم بطريقة يمكن القول إنها تشهير بحقّهم. بل قامت القناة بما أملاه عليها موقع «كاميرا» بإبلاغ الموظفين قرارها عبر رسالة بريدية فقط، مؤكدة فيها «خرقهم المعايير الإعلامية للهيئة» بحسب تعبيرها.
أما في ما يتعلّق برئيسة التحرير ندى عبد الصمد التي تعمل في القناة منذ نحو 27 عاماً، فتشير المعلومات إلى أنّ الصحافية اللبنانية كانت في إجازة مرضية قبل تطبيق الهيئة قرار تجميد عملها التحريري. وتلفت المصادر إلى أنه تمّ استدعاء الصحافية إلى التحقيق الداخلي، ولكنها لم تحضر بسبب مرضها. وتضيف أنّ سحب الثقة السريعة من الهيئة تجاه موظفيها بسبب شكوى اسرائيلية، خلق فجوة بينها وبين الصحافيين الذين عملوا سنوات طويلة معها. حتى إنّ الشبكة لم تكلّف نفسها عبء تقديم توضيح فور إقدام صحيفة «تلغراف»، ولاحقاً الصحافة الأجنبية، على نشر تقرير شهّر بالصحافيين عبر نشر صورهم في الصحافة الأجنبية والعربية. وترى المصادر أن الإجراء الأول بحق ندى لم يكن مهنياً أو قانونياً، بل أشبه بعملية صرف جماعي وفقاً لما ينصّ عليه قانون العمل اللبناني. بناء عليه، قررت الصحافية رفع دعوى في القضاء تاركةً الكلمة الفصل له.