«شُرفات على الطوفان» مجموعة تضم 38 قصة قصيرة كتبها طلاب ورشة الكتابة الإبداعية في «دار-المجمّع الإبداعي» بتجاربهم المتفاوتة، واختصاصاتهم المختلفة، وأعمارهم التي تراوح بين 14 عاماً و71 عاماً، يأتون من مناطق مختلفة في لبنان مثل الجنوب وصيدا والناعمة وبيروت، ومن بينهم أيضاً طلاب فلسطينيون أصلهم من يافا وعكا ورفح: وسيم اشكنتنا، أحمد المحمود، هدى داوود، ليلى الأمين، جنى مشلب، سالي بعلبكي، دانا قانصوه غوري، نسرين الخنسا، مايا نورالدين، ريّان الشيخ، هبة الحسيني، فرح رمال، علي نجم، أحمد مدلج، راغب ياسين، فاطمة فواز، فاطمة شاهين، بتول ذياب، فاطمة يوشع قصير، بتول نحلة، مروة الحاج حسن، ديمة عيراني، نجوى مزهر، محمود نبهاني، إسراء بهجة، ريم جابر، ضحى بلوط، فاطمة الشيخ، زينب عوالا، هديل ديب، زهراء سويدان، فاطمة البسّام، جود الأمين، حسين ميداني، لينا حميّد، عماد شيري، زينب حيدورة، وزهراء الصوري وجواد سبيتي. كتب كل منهم مشاهد من متابعته للعدوان الصهيوني على قطاع غزة، ومشاعره التي أراد أن يوصلها إلى فلسطين ليقول: «إنّ هذه معركتنا أيضاً».

تحت عنوان «في صنعة الثقافة المقاومة: نكونُ فننتصر»، كتب مؤسّسا الدار الزميلان تهاني نصار وعبد الرحمن جاسم المقدمة التي جاء فيها: «كي تكون هناك حضارة، لا بد من أن تكون هناك ثقافة. يستطيع المحتل –أيُّ محتل- أن يمتلك قوةً عظمى تمكّنه من احتلال حضاراتٍ تقلّ عنه قوةً، لكنه لا يستطيع البقاء هناك طويلاً، سيسيطر من تعرّض للاحتلال إن كانت حضارته ذات عمقٍ وتأثيرٍ ثقافيٍّ أكبر. هكذا يشير أحد أعظم خبراء المجتمعات وتطوّرها الأندلسي العربي ابن خلدون في كتابه الأشهر «المقدّمة». مرّت على بلادنا احتلالاتٌ كثيرة، بعضها لم يعمّر طويلاً، ونُسيَ كأنّه لم يكن، وكأنّه لم يحدث، والبعض الآخر القادم من حضاراتٍ أخرى، عاش وعاث فساداً، لكنّه عاد واندثر. اليوم، نقف أمام احتلالٍ أخير على هذا الكوكب الأزرق، وعلى أرضنا الجميلة: كيان الاحتلال الزائل الذي لا يستحق حتى أن يلفظ اسمه. يشبه الصراع الدائر اليوم بين احتلالٍ بائدٍ وشعبٍ أصلي كل القصص العظيمة: ظلمٌ حالك، معاناةٌ قاسية، تضحياتٌ جِسام، بطولاتٌ كبرى. وفي النهاية، انتصارٌ عظيم. يعرف من يدرك صنعة الكتابة أنَّه كي تحصل انتصاراتٌ عظيمةٌ لا بد من كل هذا. لكننا اليوم لسنا أمام قصةٍ عادية فقط، ولسنا أصلاً أمام قصّة حتّى، بل أمام واقعٍ يتجلّى في وحشٍ متغوّل قذر يشعر بأنه لا يُمس وبأنه مدعومٌ بشكلٍ كاملٍ لاجتثاث ما بقي من أصل، وعدلٍ وحكاياتٍ جميلة. هو يعتقد خاطئاً وواهماً أنه يستطيع اجتثاث فلسطين. هو لا يعلم –كعادة الاحتلالات الدخيلة والطارئة والمندثرة- أنّ فلسطين أصل، والأصول لا تموت، ولا تنتهي، ولا تندثر. لذلك، كان هذا الكتاب قبل أي شيء. أن يروي الأصل جزءاً من قصة ما يحدث. أن يروي أناسٌ حقيقيون، حكاياتهم وهم ينظرون صوب «الطوفان» الكبير الذي سيبتلع أكبر صور الظلم وأبشعها. تأتي الصور مباشرةً، ثقيلةً، متعِبةً، والأهم من ذلك حقيقيةً ومن القلب، ذلك أنَّها وإن كانت تداعياً حرّاً وهي أقل أنواع الكتابة استخداماً واحتياجاً للتقنيات، فإنّ ما يعفيها من كثيرٍ من قياسٍ وأخذٍ ورد أنها دفقُ مشاعر كبير يجعل القارئ أمام سؤال: ماذا قرأت هنا؟ لماذا أشعر هكذا في قلبي وعقلي ومعدتي حتى؟
هذه المجموعة القصصية التي كتبها متدربو ورشة الكتابة الإبداعية على عجلٍ وأُنتجَت في عشرة أيام فقط، تمزج بين تجاربهم حول الطوفان لا كمشاهدين ومتفرجين فحسب، بل أيضاً كجزءٍ لا يتجزأ منه، ذلك أنّ لبنان، لم يكن بلداً خارج الصراع، لذلك ما كان طلاب ومتدربو الورشة في قصصهم هذه خارج الطوفان، ذلك أنّ كل كتّابنا يقطنون لبنان، وسواء أكانوا فلسطينيين أم لبنانيين، فإنهم ليسوا في قلب الطوفان، بل على «شرفاته». في الوقت نفسه، أفسحنا –أخلاقيّاً وأدبيّاً ومنطقياً- المجال أمام قصص مَن كانوا داخل الطوفان في غزّة من مقاومين وأصحاب قضية وتجربةٍ خاصة في هذه الأيام العصيبة أن يمتلكوا فرادة القَص والحكاية: فلم نقارب حكاياتهم، ولم نتقوّل عنهم، ولم نؤلّف على لسانهم، ولم نحكِ شيئاً لم يقولوه لنا: ذلك أمرٌ للأيام القادمة حال انتصارهم ونجاتهم، وذلك أمرٌ أكيد الحدوث».

* يُقام احتفال توقيع «شرفات على الطوفان» اليوم (6:00 – 8:00 مساءً) وغداً (6:00 – 8:00 مساءً) في جناح «دار-المجمّع الإبداعي» في «معرض بيروت العربي الدولي للكتاب» (رقم B3): واجهة بيروت البحرية «سي سايد أرينا» (البيال سابقاً)


قصتان من الكتاب

وسيم اشكنتنا (قصة: النوم خيانة)
وصلني إشعارٌ من تطبيق الواتساب فقرأتُ الخبر العاجل: «الأمّهات الفلسطينيّات أصبحن يكتبن أسماء أولادهنّ وأعمارهم على أطرافهم». في البداية، لم أكن أعي هذا الخبر المكتوب لدرجة أنّني قمت بقراءته أكثر من أربعِ مراتٍ ولم أفهم، وسألت نفسي ماذا يعني أنهنّ يكتبن أسماء وأعمار أولادهنّ على الأطراف؟ لكن عندما همرت دموعي بشكلٍ لا شعوريّ، علمت وقتها أنّي أدركت الأمر. أصبحت أشعر أنّ نومي خيانة لهم، ضحكتي استهتار للشيء الذي يحصل معهم، شبعي جوعهم، لم أرَ نفسي خارج هذه المعركة أبداً، بل على العكس هذه معركتي أنا أيضاً.

مايا نورالدين (قصة: حمامة السلام)
وصلتني رسالة حمامة السلام المُرسلة باللغتين الإنكليزية والفرنسية من رئيس الجامعة في كندا، الذي يقول في مقدّمتها: «كانت الأحداث في الشرق الأوسط في الأيام القليلة الماضية شديدة الصعوبة، بصورةٍ يصعب أن يصدّقها كثيرون من أفراد مجتمعنا. إذ تشكّل الهجمات القاتلة وعمليات الخطف التي ارتكبتها «حماس» في إسرائيل والتصعيد اللاحق للعنف في غزة مصدراً للقلق العميق في نفس كل من يؤمن بالسلام ويقدر الحياة البشرية والكرامة». ابتسمتُ وأنا أفكّر في اللغة الفاضحة في الرسالة، ولمعت في ذهني صورة أحمد مناصرة، وغيره من مئات الأطفال الفلسطينيين الأسرى لدى قوّات الاحتلال، وصرت أفكّر في حمامة السلام الغربيّة التي لا بد من أنّها عند أخبارٍ كتلك، تنسى كيف تحلّق..