ما هو حصاد «معرض بيروت العربي الدولي للكتاب» الذي نظّمه «النادي الثقافي العربي» بنسخته الخامسة والستين في العاصمة اللبنانية؟ هل حافظ «عميد المعارِض» على لقبه المستحق الذي كان بمنزلة خلاصة لعملية ثقافية إبداعية متكاملة وريادية اضطلعت بها عاصمة النور العربية في حقبتها الذهبية؟ هل سرق «معرض لبنان الدولي للكتاب» أو معرض «الإكسبو» الوهج من معرض «البيال» ولم يفصل بينهما شهرٌ من الزمن، أم أنّ الفعاليتين على حد سواء قد تجاوزتهما صناعة النشر الحديثة وألقتهما على هامش المعارض ذات الإمكانات الضخمة والتنظيم المحترف التي يحجّ إليها الناشرون والكتّاب والإعلاميون والمؤسسات الثقافية والإعلامية من كل فجّ عميق؟ هل يغلب التفاؤل أو التشاؤم أو حتى التشاؤل -بالتعبير المحبب الذي أطلقه الأديب الفلسطيني إميل حبيبي- على أجواء المعرض بعد انطلاقته الصعبة وسط ظروف اقتصادية خانقة، وتطورات عسكرية وأمنية فرضها الحدث الفلسطيني في قطاع غزة، الحدث الذي تداركه البرنامج الثقافي للمعرض وأدرجه على جدول أنشطته وفعاليته لأن «غزة أغنية فلسطين»، بعد أن أشرنا الأسبوع الماضي إلى حضور فلسطين في الإصدارات وغيابها عن برنامج المعرض. قصدنا «معرض بيروت العربي الدولي للكتاب» لنقيم ما هو أشبه بجردة حساب نستطلع عبرها آراء الهيئة المنظِّمة ودور النشر المشاركة والمكتبات وأهل الثقافة ونسجّل انطباعاتهم وتمنياتهم بتوحيد الجهود في البلد المنهك من حروبه الداخلية الصغيرة، ومن العدوان المتكرر من الوحش الصهيوني الرابض على حدوده الجنوبية، حيث لا بدّ من دعوة إلى الوحدة والتلاقي تطلق في برية الربّ: «لا بدّ من إيجاد وسيلة ما تجعل معرض بيروت يليق مرة أخرى ببيروت... معرض موحّد يمثّل فسحةً لتعزيز سبل التلاقي في الثقافة والإنسانية، ويجعل مزاج الناس ينفتح على الكتاب والنص والعمل الفني. لا يصنع المعرض هذه الجهة أو تلك، الناس هم من يصنعون المعارِض»، فهل من قلوب واعية وآذان صاغية؟


النادي الثقافي العربي: المعرفة طريق الخلاص
أول ما أكّدت عليه رئيسة «النادي الثقافي العربي» سلوى السنيورة بعاصيري هو إعادة التذكير بالرؤية الإستراتيجية لـ«النادي» كجهة منظِّمة لمعرض بيروت العرب الدولي للكتاب. بحسب بعاصيري، «المثابرة تبدأ من الإيمان بالرسالة، إذ حين نشأ النادي الثقافي العربي سنة 1944 حمَل رسالة رفع الوعي عبر الفكر والعقل والكلمة، وجاهد في سبيل أن تكون فكرة الحضارة والعروبة المستنيرة هي الصفة الغالبة على لبنان. أراد النادي بالتالي أن يدخل إلى عقول الشباب بشكل خاص وتنمية الفكرة المعرفية لديهم، وأنّ الأفكار يجب أن تدعّم بنشر المعرفة عبر الكتاب». تناولت بعاصيري أيضاً تاريخ إطلاق معرض للكتاب في العالم العربي سنة 1956 ليواصل هذا التقليد العريق منذ ذلك التاريخ مستحقاً لقب «عميد المعارِض» ويسمّى سنة 1992 «معرض بيروت العربي الدولي للكتاب». كما أشارت إلى أن المعرض قد غدا مهرجاناً ثقافياً ليس للّبنانيين فحسب، بل للدول العربية الصديقة. وحين سألناها عن غياب مشاركة دور النشر العربية في أجنحة المعرض، أوضحت بعاصيري أنه لا يمكن عزل لبنان عن الأزمات الداخلية والخارجية ابتداءً من الأزمة المالية سنة 2019 وانفجار مرفأ بيروت والأحداث التي تعصف بالمنطقة، ولكن كل هذه الأزمات «لا تعفينا من استقطاب الناس ولا سيما الجيل الشاب للقول إن المعرفة هي طريق الخلاص». كما ركّزت بعاصيري على البرنامج الثقافي للمعرض الذي تضمن أكثر من 65 ندوة وفعالية مع دور النشر المشاركة وتطرّق إلى مروحة واسعة من المواضيع: من الذكاء الاصطناعي مروراً بالاقتصاد اللبناني وأزماته إضافة لندوات ونقاشات حول استقلالية القضاء وأنسنة الإدارة وليس انتهاء باستحضار وتكريم شخصيات عصر النهضة والعروبة المستنيرة أمثال بطرس البستاني وطه حسين وعبد الله العلايلي ومحمد مهدي شمس الدين وجورج خضر و يوسف الأسير وغيرهم، «كما أنّ الحدث الفلسطيني قد فرض نفسه على المعرض، فحتى لو لم تحضر غزة أثناء البرمجة المبكرة لفعالياته، إلّا أنّ البرنامج الثقافي سعى إلى مواكبة الحدث عبر أكثر من أمسية شعرية كتحية إلى غزة ونضالها وخصوصاً في اليوم الأخير الذي سيخصّص لفلسطين بالكامل»، كما ركزت بعاصيري على أنشطة الأطفال التي جمعت الترفيه إلى التوجيه والتثقيف، والبرنامج الفني المصاحب عبر المعارض الأربعة التي أُقيمت على هامشه: معرض للكاريكاتور والكوميكس باهتمام من الفنان معتز الصواف، ومعرض الحروفيات بإشراف المصمّم الغرافيكي كميل حوا - ومعرض للملصقات في موضوع «حُب الكتاب» وهي مباراة توجّه بها النادي إلى الجامعات في لبنان بمساهمة 121 طالباً من لبنان قدّموا الرسومات المختلفة التي اختارت لجنة التحكيم 38 ملصقاً من بينها وخصّت أربعة منها بجوائز تقديرية، والمعرض الاحتفائي بالفنان المصري الكبير حلمي التوني أول من صمّم شعار «النادي الثقافي العربي» سنة 1974 إضافة إلى تصميم شعار جريدة السفير وبصمته المميزة على عدد كبير من الإصدارات والكتب. حول صحّة تنظيم معرضَين للكتاب في العاصمة اللبنانية يفصل بينهما أقل من شهر أجابت بعاصيري: «إذا كانت دور النشر اللبنانية ترى أن لديها الإمكانية لأن تلتقي في معارض للكتاب في أكثر من مناسبة فليكن، وإذا ارتأت أن يكون ثمة تكثيف وتوحيد للجهود، فنحن في النادي الثقافي العربي نؤيد ذلك، نحن حاضنون لدور النشر ولسنا دار نشر منافسة. رسالة النادي ومعرض الكتاب هي رسالة فكرية ونهضوية وانفتاحية ونأمل أن يكون القارئ هو المنتصر في جميع الحالات».

«تشاؤل» ودعوة إلى توحيد الجهود
مديرة دار «رياض الريس للكتب والنشر» فاطمة بيضون عبّرت عن خيبتها من المعرضَين الّذين أقيما في العاصمة اللبنانية لما اعتراهما من شوائب، ولا سيما في الإجراءات التنظيمية واللوجستية - وإن كان التنظيم في معرض «لبنان الدولي الثاني للكتاب» أفضل قليلاً من ناحية مواقف السيارات وتوافر خدمة الإنترنت - بحسب بيضون، إلّا أنّ المشكلة الأساسية تكمن في التكرار وعدم تطوير فكرة المعرض منذ 15 عاماً لينافس نظراءه في الدول العربية حيث ينتظر جمهور القراء سنوياً إصدارات الدار، كما انتقدت بيضون وجود قاعة الندوات خارج أروقة المعرض والكلفة العالية على دور النشر التي فرضتها الجهة المنظمة. «أنا أبحث عن القارىء الجديد، ولا بدّ من توحيد الجهود وتطوير رؤية حديثة للمعرض من أجل القارىء والناشر على حد سواء»، ختمت بيضون حديثها. مديرة دار «أبعاد» هنادي شموط رأت أنّ «المعرض حدث مهمّ يتكرّر كل سنة ولكن ذائقة القراءة عند الجمهور تتغير بشكل سريع متّجهة نحو الكتب الإنكليزية المستوردة بسبب غياب الدعم عن الكتاب العربي»، كما اشتكت شموط من غياب الدعاية والإقبال الضعيف جداً من القرّاء، ولا سيما محبي كتب السياسة الذين أفردت لهم الدار مروحة واسعة من الإصدارات تتناول السياسة والذكاء الاصطناعي، وصناعة القرار في العواصم الأوروبية والعلاقات الديبلوماسية بين الشرق والغرب، إضافة إلى إصدارات سياسية «ملتزمة» تعنى بفكر الزعيم أنطون سعادة ونتاجه، ونظرة الغربيين إليه، أو موقف كمال جنبلاط من القضية القومية وغيرها. ختمت شموط حديثها أيضاً بالدعوة إلى «معرض موحّد يجمع الكلّ»، كما أثنى مدير دار «نلسن» الشاعر سليمان بختي على دعوة شموط إلى توحيد الجهود «إذ إن المعرض الذي يقام في بيروت أصلاً ضعيف، فما الداعي إلى مزيد من الشرذمة؟ لا بدّ من إيجاد وسيلة ما تجعل مرة أخرى معرض بيروت يليق ببيروت.أنا مع معرض موحّد يمثل فسحة لتعزيز سبل التلاقي في الثقافة والإنسانية، ويجعل مزاج الناس ينفتح على الكتاب والنص والعمل الفني. لا يصنع المعرض هذه الجهة أو تلك، الناس هم من يصنعون المعارِض»، وعن عدم مشاركة دار «نلسن» في المعرض المنافس، يوضح بختي أنّ الكثير من إصدارات الدار مثل «مطعم فيصل» لإيمان عبد الله و«تعا ولا تجي: مئة عام على ولادة عاصي الرحباني» لعبيدو باشا وغيرها لم تكن جاهزة بعد حينئذٍ، كما أثنى بختي على حضور فلسطين في فعاليات المعرض عبر عرض فيلم «لماذا المقاومة» لكريستيان غازي من قبل «نادي لكل الناس»، وتنظيم حفل أناشيد بمشاركة «بيت أطفال الصمود» إضافة إلى تنظيم ندوة بإشراف مؤسسة الدراسات الفلسطينية حول تداعيات «الطوفان» داخل كيان العدو وطباعة ملصق بوستر بعنوان «غزة أغنية فلسطين». مديرة دار «سؤال» كريستيان عنان رأت في الانقسام الحاصل بين «النادي الثقافي العربي» و«نقابة الناشرين اللبنانيين» خسارة فادحة يدفع ثمنها الناشر اللبناني والقرّاء في المقام الأول، ورأت في تضارب المواعيد مع معرض الكويت ظاهرة غير صحية لتفضيل الكثير من دور النشر الارتحال نحو المعارض الأكثر تنظيماً وقدرة على اجتذاب الجمهور، وختمت عنّان بالتشديد على أهمية أن تبقى بيروت عاصمة للكتاب الورقي وضرورة مكافحة الكتاب المقرصن والمزوّر وعدم الانجرار وراء الانقسامات الطائفية والسياسية في العمل الثقافي بوجوهه كافة.

وجبة فلسطينية دسمة
«شرفات على الطوفان» هو اسم الكتاب الذي أُنجز في مدّة قياسية من عشرة أيام عمل في «دار المجمّع الإبداعي»، وهو جهد تطوعي بالكامل للمشرفَين على الدار الزميلين عبد الرحمن جاسم وتهاني نصار، مع الطلاب الذين كتبوا النصوص، ناهيك عن فريق التدقيق اللغوي والتصميم (سارة شاهين وعصام خازم). «كان من المستحيل وضع أنفسنا مكان أهل غزة ولو كنا فلسطينيين ولبنانيين وعرباً نتابع الحدث أولًا بأوّل، ونتفاعل و نفرح ونبكي، أما السؤال الذي فرض نفسه علينا بقوة، فهو: ما الذي يمكننا عمله نصرة لأهلنا في غزة؟»، تقول نصّار وتتابع: «قررنا أن نقول لهم إننا في بيروت والجنوب اللبناني على «شرفات الطوفان»: لا بد من جهد للمحافظة على الذاكرة، إذ إنّ التدفّق السريع للصور والمعلومات في عالم الميديا اليوم يخلق مادة قد تختفي بعد سنة مثلاً، إلّا أنّ الكتاب كمادة مكتوبة ومدوّنة يمكن أن يعيش لأكثر من قرن. طلبنا من الطلاب، ومنهم المشتغلون بحصاد الزيتون أو القاعدون في البيوت أو من منعته مجزرة المعمداني من النوم، أن يسجل كل واحد منهم تفاعله مع الحدث بصفحتين أو ثلاث، لتصدر هذه التفاعلات في كتاب يعود ريعه بالكامل للأهل في غزة. الزميل جاسم ركّز على تقنية تُستخدم في ورشة الكتابة الإبداعية في «المجمع» وهي كتابة «الحدث الجلل»، إذ إنّ الارتدادات التكتونية لحدث مثل «طوفان الأقصى» تصل حتّى إلى العناوين (عنوان إحدى القصص «النوم خيانة»)، كما أن غلاف الكتاب، يوضح جاسم، هو «حطّة» فلسطينية حمراء احتفظ بها مع نصار منذ أكثر من عشرين عاماً، وقد حرص المصوّر حسن شحادة على الابتعاد عن التقنيات الرقمية وتشكيل خارطة فلسطين عبر قماشها بشكل يدوي مبتكَر وخلّاق.

مكتبات شابة وطموحة
أكثر ما يميز جناح دار «زمكان» (بيروت/باريس) هو تصميم الأغلفة وألوانها: «اعتمدنا في الهوية البصرية أن تكون اللوحة كاملة على كل فضاء العمل، وقررنا الابتعاد عن البياض الذي يميّز دور النشر الأخرى مثل «الجديد» و«الفارابي»، يوضح الكاتب والزميل عبد الحليم حمود، الشريك المؤسس للدار. وفي شؤون النشر والتسويق وشجونهما يتابع: «في الرؤية الإستراتيجية، نجد أن من يقف خلف دور النشر الكبرى ليسوا بالغالب من أبناء مضمون الكتاب، وإنما هم أبناء صنعة الكتاب، ومن إيجابيات الصنعة أن تمتلك نوعاً من «التوحش الحميد» الذي لا يمكن تحريك ماكينة البيع والتسويق من دونه. نعاني في دار «زمكان» مشكلةً حقيقية في هذا الجانب، إذ بعد سنتين من تأسيسها، نسارع إلى مواساة من يقتنون كتاباً بسعر باهظ بهدية هي كتاب آخر للتعبير عن شعورنا بالامتنان. عليك أن تكون في هذا العالم بكامل جديتك، كما لا تخفى على لبيب أزمة الكتاب نفسه الذي لطالما كان المصدر المعرفي الوحيد، أما اليوم، فنحن أمام العشرات من مصادر المعرفة وعليك الإقرار بانهزامك، ليس أمام الجهل والتصحّر، وإنّما أمام وسائط أخرى تستقطب الجيل الجديد والشاب الضليع بالتكنولوجيا والمعرفة». شادي منصور، الشريك المؤسس للدار أوضح أن إصداراتها تسير في خطوط متوازية أربعة: الروايات، وعلم النفس والسياسة (ولا سيما مع كتاب الانحدار الفرنسي لكرستيان شينو وجون مالبرينو، ترجمة باسكال ولورين قديح، 2023)، وانتهاء بالسيرة الذاتية مع الإصدار الأبرز حول الإمام السيد موسى الصدر «الصدر: سحر ما فوق الغياب» (عبد الحليم حمود وشادي منصور، 2023)، «قررنا الإضاءة على سيرة شخصية أثرت في لبنان والمنطقة ككل بحجم الإمام الصدر عبر مقاربة ميدانية غير تقليدية تشمل السفر لمعاينة الأمكنة والأشخاص الذين عاصرهم الإمام، واللقاء في أوروبا مع شخصيات مقربة من الرئيس الليبي السابق معمر القذافي، واقتفاء أثر حركة الصدر الدينية والثقافية في إيران التي تكشّفت عن حقائق تنشر لأول مرة، إذ إن الروائية الإيرانية الراحلة سيمين دنشور كشفت مثلاً عن ترجمة ضائعة أنجزها الصدر لإحدى رواياتها عن الفارسية، كما أن الجملة الأولى التي نطقتها حين وقع نظرها عليه: «لا يحقّ لك أن تكون بهذا الجمال».
«المعرض مرتّب وفيه كثير من الجوانب الإيجابية» تقول لانا الحلبي، الشريكة المؤسسة لمكتبة الحلبي، المكتبة العائلية الأنيقة في محلة قصقص في بيروت، رغم بعض السلبيات كتنظيم المعرض في نهاية الشهر إذ تخفّ القدرة الشرائية للجمهور، والغياب الملحوظ لـ «أوتوكارات المدارس» ولا سيما من مدن الأطراف في ظل الوضع الأمني الصعب على الحدود الجنوبية في ظل الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة. «الكتاب الفلسطيني مطلوب جداً في جناح المكتبة ونسعى إلى تزويد قرائنا بمؤلفات غسان كنفاني ومحمود درويش ووليد الخالدي ورواية عدنية شبلي (تفصيل ثانوي) الممنوعة في معرض فرانكفورت، إضافة إلى كتب المؤرخين الجدد في كيان العدو مثل إيلان بابيه وغيره، وكذلك روايات الكاتبة والناشطة الأمريكية-الفلسطينية سوزان أبو الهوى باللغتين الإنكليزية والعربية التي نسعى جاهدين إلى تأمينها والترويج لها». توضح الحلبي التي كانت ضمن اللجنة التنظيمية للمعرض المنافس أنّ مشاركتها في أنشطة البيال اقتصرت على رواية قصص لأطفال دار الأيتام في خلدة، مقابل نشاط أكبر في رواية القصص للأطفال في معرض «لبنان الدولي للكتاب». لمعالجة الشرخ القائم، تقترح الحلبي مباعدة المسافة الزمنية بين المعرضين إن تعذّر توحيدهما منعاً للمنافسة وتضارب المواعيد، إذ يُقام أحدهما مثلاً في الربيع والآخر في نهاية السنة، وتتوزع الإصدارات بالتالي بصورة متوازنة بين الفعاليتين.
حركة لافتة أيضاً مختصّة بالكتب الجامعية يمكن ملاحظتها في جناح «جامعة سيدة اللويزة»، إذ تؤكّد مسؤولة الدار مايا طنوس على إقبال مقبول للقرّاء على الموسوعة الكاملة لمؤلفات الفيلسوف اللبناني كمال يوسف الحاج (15 جزء)، وموسوعة العائلات المارونية الصادرة عن الصرح البطريركي في بكركي إضافة إلى كتب لمؤلفين لبنانيين مثل شارل قرم وسعيد عقل وأمين الريحاني باللغتين العربية والإنكليزية وكتب حول التنشئة المسيحية والعذراء مريم. مركز «نفسانيون» يحضر هو الآخر بباقة من الكتب المتخصّصة، إذ يؤكد رئيس المركز علي الأطرش أن الدار تشارك في المعرض بستة إصدارات جديدة ومميزة: «نفسية الشرقيين» للمحلل الكندي كريم جبيلي، «التحليل النفسي العصبي» لمؤسس المدرسة النفس-جسدية في فرنسا بنجامين ستورا، «الفحص النفسي» لمصطفى حجازي، و«الإرث النفسي للحروب» لألين الحسيني عساف (بالتعاون مع دار النهضة العربية)، إضافة إلى «نشوة الجسد» لحورية عبد الواحد (بالتعاون مع دار بيسان)، و«ما بعد الحضارة الأوديبية» لمصطفى صفوان بترجمة علي نجيب إبراهيم وتقديم أدونيس (بيسان)، وهو «كتاب مهم ومثير للجدل، بخاصة أنه أحدث صدمة في أوساط التحليل النفسي في فرنسا وأوروبا، بسبب الطروحات التي قدمها صفوان والمتعلقة بمكانة التحليل النفسي اليوم في أوروبا بعد التغيرات العميقة في بنية المُجتمع الغربي»، كما يوضح الأطرش.‎

حصة وازنة لأدب الأطفال
مسحة من التفاؤل تفاجئنا بها الكاتبة والمترجمة أمل ناصر، مؤسسة دار «رمانة» لقصص الأطفال ، إذ تفضّل معرض «البيال» من ناحية إقبال الزوّار والعراقة على المعرض المنافس، كما ركّزت ناصر على الانتقال بأدب الأطفال إلى الاحتراف وتحويله إلى مساحة يلتقي فيها الكاتب والرسام والمحرر لإنتاج ثقافة خاصة بالطفل تعالج مواضيع تربوية وثقافية حسّاسة في قالب لا يخلو من المتعة والفائدة: «نحن من الدور القليلة التي تعتمد على محرِّر يخرج النص في حلّته الأخيرة اللائقة، إضافة لانتقاء الرسامين في عملية قد تستغرق أكثر من شهر لإيجاد الرسّام الذي تنسجم رسومه ورؤيته مع المضمون، كما أن كتبنا تطرقت إلى مواضيع جريئة وجديدة مثل موضوع الموت الذي كان بمنزلة التابو في أدب الأطفال، لتتم مقاربته وفقاً لمنهجية واقعية وعميقة - إضافة إلى إصدارات مثل «رجل الجليد» الذي يعالج موضوع الكآبة - وكتاب «حياة الأشباح صعبة» حول الإشاعات التي يبتدعها الأطفال، إذ نرى مثلاً شبحاً يسأل: «هل رأيتم شبحاً يدمر البيوت ويهجّر الناس من بيوتهم» وكتاب «أرشيفيا» الذي يركز على أهمية حفظ ذاكرة الشعوب كنوع من أنواع المقاومة عبر حفظ التراث وتدوينه شفهياً وكتابياً، وقد توّجت الدار بعدة جوائز، ولا سيما في منتدى أدب الطفل في مدينة بولونيا الإيطالية.
بدوره يؤكد حسن عنيسي، الشريك المؤسس لدار «البنان» على هوية الدار القائمة على الاهتمام بأدب الطفل والناشئة في مقاربة ثلاثية ترتكز على الكلمة والصورة والتصميم، إضافة إلى تخصّص الدار في ابتكار الألعاب التربوية الفكرية لصون التراث وصرف الأطفال عن مخاطر الألعاب الإلكترونية وآفات وسائل التواصل الاجتماعي، « هدفنا خلق الفكرة المبدعة والمنتجة، الطفل في هذا الزمن يمتلك ذائقة قادرة على النقد والتمييز ومواكبة التطور، ونحرص في كتب الناشئة على اتباع الأسلوب السهل الممتنع القادر على أن يصل إليهم من دون تعقيدات وتكلّف».

الصين حاضرة في معرض بيروت
في خطوة لافتة لكسر الاحتكار الثقافي الفرنكوفوني والإنكلوفوني على الساحة اللبنانية والعربية، حرص رئيس جمعيّة «طريق الحوار اللبنانيّ الصيني» الباحث وارف قميحة على إبراز الإرث الثقافي الصيني في كتابه الجديد بعنوان: «الصين لؤلؤة العين، رحلة في التاريخ والمجتمع والثقافة والاقتصاد»* (2023) وهو الكتاب الثاني لقميحة عن «الدار العربية للعلوم» بعد باكورة إصداراته حول المارد الآسيوي «التنّين وطائر الفينيق، مقالات وقصص على طريق الحرير» (2022). بعد رحلة إلى مدينة شنغهاي ومقاطعة هاينان في الصين يسجل قميحة انطباعاته ويصف إنجازات الصين في الخطّ والرسم والنحت والحِرَف والموسيقى والفنون في كتابه الواقع في أكثر من مئتي صفحة من الحجم الوسط، والذي قدّم له وزير خارجيّة لبنان الأسبق عدنان منصور وسفير الصين في لبنان تشيان مينجيان.
*يوقّع قميحة «الصين لؤلؤة العين» في جناح «الدار العربيّة للعلوم ناشرون» A22 من الساعة الخامسة وحتى السابعة من مساء السبت في 02/12/2023.