لم يعد مفاجئاً ما يحصل في الغرب من قمع وإرهاب فكري ومعنوي ورقابة وملاحقة تذكّر بزمن المكارثية وصيد الساحرات بحق كل مَن لا ينصاع لمصالحه الاستعمارية ومَن يتبنّى موقفاً مغايراً عن السردية المهيمنة التي تروّج لها أذرع السلطة السياسية والإعلامية والثقافية والفنية. آخر «المآثر» جاءت من باريس، إذ أوردت المجلة الأدبية الإلكترونية «أكتواليتيه» أنّ «دار فايار» الفرنسية أوقفت منذ 7 تشرين الثاني (نوفمبر) بيع كتاب «التطهير العرقي لفلسطين» للأكاديمي والمؤرخ إيلان بابيه الذي كان في طليعة المعادين للرواية الإسرائيلية الرسمية عن «أرض الميعاد»، وأحد أبرز «المؤرخين الجدد لما بعد الصهيونية». علماً أنّ «التطهير العرقي في فلسطين» (2006) شكّل وثيقة دامغة في فضح الممارسات الصهيونية ضد الفلسطينيين، بناءً على وقائع مسجّلة، كان أرشيف المؤسسة العسكرية الإسرائيلية قد أفرج عنها جزئياً، في ما يتعلّق بأحداث 1948 التي أدّت إلى تهجير وإبادة سكان مئات القرى والمدن الفلسطينية. ويعتبر هذا الكتاب الأكثر إثارةً للجدل، إذ يكشف تفصيلياً عن سياسات إستراتيجيّة صهيونيّة ممنهجة منذ بدء الاستيطان حتى لحظة إعلان «استقلال إسرائيل» لتطهير فلسطين عرقيّاً وطرد سكانها الأصليين. أمر يرى بابيه أنّه ما زال ديدن السياسات الإسرائيلية إلى اليوم.
وبعدما تواصلت Actualitté مع الدار مستفسرةً عن سبب سحب الكتاب، تحجّجت الأخيرة بأنّ «العقد كان قد انتهى منذ 27 شباط (فبراير) 2022. ولذلك سجّلت الدار، في الثالث من تشرين الثاني نهاية تشغيله». مع ذلك، وفقاً لموقع Edistat، وهو موقع إحصائي ينشر مبيعات الكتب في فرنسا، فإنّ 203 من أصل 307 نُسخ من الكتاب بيعت هذا العام بعد بدء العدوان الصهيوني على قطاع غزة. علماً أنّ خطوة الدار تزامنت مع شراء مجموعة «هاشيت» التي تضمّ «فايار»، من قبل الملياردير الفرنسي اليميني المتطرف فنسان بولوري.