لم تكد إسرائيل تعلن العدوان على غزة، حتى بدأت تتشكّل جبهة واسعة من شركات التكنولوجيا الأميركية المسلّحة بالذكاء الاصطناعي، دعماً للكيان الصهيوني في وجه الفلسطينيّين. هذه الجبهة التكنولوجية مؤلّفة من مجموعة شركات، أبرزها «ألفابت» و«أمازون» و«مايكروسوفت» وHP و«أوراكل» و«دِل» و«إنفيديا» و«أس أيه بي» و«ميتا» و«إنتل». لا يقلّ التحالف التكنولوجي خطورةً عن التحالف العسكري الغربي ضد «حماس»، وقد بادر سريعاً إلى مدّ العدو بتقنيات ضرورية لتفعيل استخدامات الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري الذي يُعدّ حالياً من بين العناصر الأكثر فتكاً بالشعب الفلسطيني. لا بل يذهب النائب الأميركي وعضو لجنة القوات المسلحة التابعة لمجلس النواب، سيث مولتون، أبعد من ذلك، ليصف «الذكاء الاصطناعي العسكري» في مقابلة مع موقع «بوليتيكو»، بأنه أشدّ خطراً بأشواط من السلاح النووي. وهو ما أكده الجنرال المتقاعد في قوات الاحتلال، إيال زمير، في كلمة على هامش مؤتمر «هرتسيليا» الأمني الإسرائيلي. إذ أشار إلى أنّ إسرائيل تسعى عبر تطوير مقارباتها في عالم الذكاء الاصطناعي إلى أن تكون «قوة عظمى» عسكرياً.
(برايس دوربين ــ الولايات المتحدة)

«الذكاء الاصطناعي العسكري» عبارة عن مجموعة تقنيات تستند إلى قوة الحوسبة وعدد من الخوارزميات ومراكز البيانات، إضافة إلى أنظمة تحليل البيانات الكبيرة واستخلاص المعلومات ذات القيمة في وقت قصير، للتمكّن من اتخاذ قرارات سريعة. ولتبسيط الموضوع، يمكن القول إنّ إسرائيل تستخدم اليوم كميات كبيرة من المعلومات التي تجمعها يومياً إضافة إلى المعلومات التي سبق أن جمعتها عن البنية التحتية والمراكز المدنية والعسكرية في غزّة. هذه المعلومات تُحلّل عبر أنظمة الذكاء الاصطناعي، قبل انتقاء مجموعة منها بهدف مساعدة العسكر على تحقيق أهداف معيّنة. ولو أراد العدو الاعتماد فقط على الطريقة التقليدية القديمة المتّبعة في شعبة الاستخبارات العسكرية «أمان» أو «الشاباك» لتحديد أهدافه العسكرية والمدنية في غزة، لاستلزمه ذلك أشهراً، إذا لم نقل سنوات. أما مع الذكاء الاصطناعي، فيستطيع قادة الاستخبارات تزويد قادة أسلحة الجو والبر والبحر بمعلومات تتيح مهاجمة الأهداف بسرعة فائقة. ومع أنّ الذكاء الاصطناعي، نظرياً، قادر على مساعدة الجيش الإسرائيلي على خفض عدد الإصابات بين المدنيّين، إلّا أن الخطّة الإسرائيلية في غزّة تستهدف المدنيّين بشكل مقصود عبر استخدام الذكاء الاصطناعي.
أولى الشركات الأميركية التي اندفعت وأظهرت حماسة لدعم الصهاينة في حرب الإبادة على غزة، كانت «ألفابت» بالإضافة إلى «أمازون». وبحسب «حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها » (BDS)، فإنّ الشركتين سارعتا إلى تفعيل عدد من التقنيات ضمن مشروع واسع كانتا قد بدأتا بتنفيذه عام 2021 ويحمل اسم «نيمبوس». وهو مشروع بلغت قيمته 1.2 مليار دولار، ومخصّص لعدد كبير من المؤسّسات الإسرائيلية من بينها الجيش. وقد أتاحت المساعدة التي تلقّتها إسرائيل من «أمازون» و«غوغل»، زيادة اعتماد الجيش الإسرائيلي على خدمات «السحابة» (Cloud) وتفعيل مجموعة من أدوات الذكاء الاصطناعي للاستفادة من نظام آخر مماثل اسمه «حبسورا» وضعه الاحتلال في الخدمة عام 2019. وهذا الأخير يساعد الجيش الإسرائيلي على تحليل كميّات من المعطيات لاقتراح ضرب الأهداف العسكرية، وبطبيعة الحال المدنية أيضاً، ولكنه يحتاج إلى مراكز بيانات ضخمة وخدمات سحابية هائلة للعمل بشكل جيد. والسحابة هي وسيلة لنقل كميات كبيرة من المعلومات وتخزينها في مراكز البيانات الرقمية ومن بينها مراكز البيانات العسكرية، كما أنّها مكوّن رئيسي في عدد من أنظمة الذكاء الاصطناعي العسكري. علماً أن لا دليل حتى الآن يوثّق أنّ البيانات التي يستخدمها «حبسورا» لخلق الأهداف هي في مراكز بيانات «غوغل» و«أمازون»، ذلك أنّ «نيمبوس» هو سحابة داخل كيان الاحتلال ضمن الشركات الأميركية، والبيانات التي يحتويها ليست في أميركا، ما يحمي الشركات الأميركية من المساءلة ويمنع احتمال تسريب الوثائق الداخلية إلى الإعلام.
لم تتردّد «أوراكل الشرق الأوسط» في إعلان مساندتها لقوّات العدوّ


من جهتها، لم تتردّد «أوراكل الشرق الأوسط» في الإعلان على منصة X عن مساندتها للقوّات والحكومة الإسرائيلية. وقد يكون تحديدها للمؤسّسة العسكرية متعلّقاً بتولّيها تنفيذ عدد من المشاريع عبر ذراعها «أوراكل كلاود انفراستركتشر» لمصلحة الجيش الإسرائيلي. وكانت الشركة قد نشرت بياناً صحافياً في آب (أغسطس) الماضي، عن مشروع يتضمّن مراكز بيانات وخدمات سحابية وأدوات تحليل بيانات للجيش وأجهزة المخابرات، ولكنها لم تذكر تفاصيل كافية لطُرق استخدام تقنياتها، فيما قالت إنّ بعض جوانب المشروع تبقى سرية.
ولا تتوقف فوائد «الذكاء الاصطناعي العسكري» بالنسبة إلى إسرائيل عند عدوانها على غزة، بل تستخدم هذا النوع من الأنظمة لقمع الناشطين الفلسطينيّين في الضفّة الغربية واعتقالهم. فهي تستخدم نظام «قطيع الذئاب»، وهو قاعدة بيانات ضخمة تحتوي على جميع المعلومات المتوافرة عن الفلسطينيين. قاعدة البيانات هذه يغذيها نظام للتعرّف إلى الوجه من أجل تعقّب الفلسطينيين وتقييد تنقّلهم بشكل مؤَتْمَتْ يدعى «الذئب الأحمر». وتنشر السلطات الإسرائيلية تلك الأجهزة عند الحواجز العسكرية في مدينة الخليل، حيث تعمل على مسح وجوه الفلسطينيين وتضيفها إلى قواعد بيانات ضخمة للمراقبة من دون علمهم أو موافقتهم. كذلك، يستطيع العدوّ الولوج إلى تطبيق «الذئب الأزرق» عبر الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية، ويعرض فوراً المعلومات المخزّنة في قاعدة بيانات «قطيع الذئاب». هذا النوع من الأنظمة الرقمية لا يتيح التعرّف إلى الوجوه والهويات فحسب، فوفقاً لتقرير للموقع الإخباري الأميركي «ذي إنترسبت»، يصنّف النظام أيضاً ويؤرشف صور الوجوه وتحليل المشاعر وتقييم المحتوى العاطفي للأشخاص خلال التحقيقات.
مرّ استخدام إسرائيل لـ «الذكاء الاصطناعي العسكري» بمراحل عدة، ولكنه دائماً ما اتّسم بإصرار على عدم الالتزام بالإجماع الدولي على طُرق استخدامه. ففي شباط (فبراير) الماضي مثلاً، رفضت إسرائيل توقيع وثيقة «دعوة للعمل» تحضّ على «الاستخدام المسؤول» للذكاء الاصطناعي في المجال العسكري. وبحسب موقع Local Call ومجلة 972 الإسرائيلية، فإنّ الوثيقة التي رفضت إسرائيل توقيعها، سبق أن وقّعتها 60 دولة من بينها الولايات المتحدة والصين.