في السنوات الأخيرة، بدأت تخرج من غزة أصوات ناشطين ومؤثرين جذبوا اهتمام الإعلام الغربي بشكل لافت، ما وفّر منصة لهؤلاء لتبادل وجهات نظرهم ونقلها إلى المجتمعات الغربية. أصوات تتحدّث عن «السلام» وترثي حالة غزة في ظل حكم حماس وتقود تظاهرات ضد المقاومة منذ عام 2019. وحتى أثناء حرب الإبادة التي تخوضها إسرائيل حالياً ضد شعب غزة، لا يتوانى هؤلاء عن الظهور عبر الشاشات الغربية لطعن المقاومة في ظهرها. علماً أنهم أشخاص منبوذون داخل المجتمع الفلسطيني.
(دون أديس ــ الولايات المتحدة)

تتحدّث حسابات الاحتلال الإسرائيلي عن نشطاء غزة بسعادة. مثلاً، يعتقد حساب «إسرائيل بالعربية» على X أنّ «المجتمع المدني في غزّة قادر على طرح بديل إيجابي عن حماس ــ داعش». ويتحدث عن مؤمن الناطور، «الغزاوي الذي نظم تظاهرات ضد حماس في 2019، واعتُقل وسُجن وعُذّب عشرين مرة» على حدّ زعمهم. وكيف أنّه يقف الآن على رأس «شبيبة فلسطين للتنمية» لـ «إغاثة الغزيّين وتوزيع المساعدات الإنسانية عليهم بعدما كان «دواعش حماس» يسرقونها من المدنيين ويبيعونها في السوق السوداء». وينتهي المنشور بـ «أدرك أنّ قوى الشبيبة قادرة على النهوض بالمجتمع المدني. تخيّلوا كيف ستصبح غزة حين تكون هناك عشرات الآلاف من هذا النموذج الإنساني والعقلاني على استعداد للنهوض بالمسؤولية والتأسيس لنظام منصف».
مصعب يوسف، ناشط ومؤثر آخر، يخرج علينا بين حين وآخر عبر شاشات أميركية، من بينها «فوكس نيوز» و«سي أن أن»، كونه ابن القيادي في «كتائب القسام» حسن يوسف. هو منشقّ منذ سنوات، لجأ إلى إسرائيل حيث يلقّب بـ «الأمير الأخضر». يتحدث عن «فساد حماس واستخدامها المدنيين دروعاً بشرية وعن هول الحياة ومصاعبها تحت حكمها».
أما أحمد ماهر جودة، فهو ناشط سياسي من غزة أيضاً ويعمل في مجال الإعلام، يتّخذ من X منبراً لـ «فضح» حماس كما يدّعي، ناشراً التغريدات المناوئة للمقاومة ويحض على خروج الناس في وجهها.
اللافت في ما يقوم به هؤلاء وغيرهم ممن يفرد لهم الإعلام الأجنبي مساحة وافرة، استخدامهم الأدوات نفسها التي كشفتها الشعوب العربية منذ سنوات. مصطلحات مثل «مجتمع مدني غزاوي» و«طرح بديل إيجابي» عن المقاومة و«نموذج عقلاني». من كان ليتصور أن تدخل لوثة الـ NGOs إلى غزة؟ اختلاق مثل هذه الشخصيات ودعمها وتصويرها على أنّها ذات حيثية ما، يسمح للاحتلال بتشكيل السردية بطريقة تناسب أجندته. وعبر تسخير قوة التحركات الشعبية والتظاهرات، يهدف العدو إلى دفع الناس في الغرب إلى صرف الانتباه عن الاحتلال وعن ممارساته الوحشية بحق الفلسطينيين.
المؤثرون والناشطون السياسيون الوطنيون هم أدوات مهمة، لكن عندما تغرّد حسابات إسرائيل بأسماء بعضهم وتتحدث بإيجابية عنهم، ثم نشاهدهم على شاشات التلفزة الأميركية، يعني أنّنا أمام عملية نضجت في أروقة مراكز الاستخبارات الإسرائيلية.