ممثل، مخرج، كاتب، بطل، محارب، مشاكس، أيقونة الثقافة الشعبية، ملك الأكشن، كيس ملاكمة للنقاد، النجم رقم واحد في أميركا، وكثير من الصفات الأخرى يمكن العثور عليها لرجل كان معنا منذ أن كنا أطفالاً. شاهدنا أفلامه، أردنا أن نكون أقوياء وشجعاناً مثله، لكمنا أكياس الملاكمة، وركضنا مثله. نراه كشخصية مصبوبة من الذكورة الفولاذية، وفي أدواره أصالة الجرح والهجر والوقوف وحيداً ضد التيار. هو سيلفستر ستالون، الذي ابتكر ثلاثة ملاحم وسلاسل سينمائية شعبية (روكي، رامبو، المرتزقة)، في مسيرة مليئة بالنجاحات والإخفاقات، برع مراراً وتكراراً في دوره الثلاثي كمخرج وكاتب سيناريو وبطل. ميزة لم يحقّقها كثير من النجوم، وقد فعل ذلك منذ السبعينيات إلى اليوم. كانت حياة ستالون تدور دائماً حول تأكيد الذات، والإيمان بالذات الذي لا ينكسر، والعيش وفقاً لمبدأ «عليك أن تحاول، لأنّ المحاولة أفضل من لا شيء»، سواء أكان ذلك بالخروج من حياة الطبقة العاملة عندما لم يؤمن به أحد، والخروج من الصندوق في ذروة حياته المهنية، أم العودة بقوة في عمر كان الجميع ينتظر فيه إعلان تقاعده.
سيلفستر ستالون في مشهد من Sly

صانع الوثائقيات الموسيقية توم زيمي ترك جانباً الموسيقى قليلاً، ليتفرغ لمدّة ليست بقصيرة من أجل صناعة فيلم عن ستالون. والنتيجة فيلم وثائقي متواضع نوعاً ما لكنّه واضح من عنوانه، ومن دون مفاجآت أو اكتشافات كبيرة. شريط عن مسيرة ستالون المهنية والشخصية، بعدما فتح منزله وأرشيفه وذكرياته وقلبه لهذه الصورة. بالإضافة إلى حضور ستالون في كل مكان أمام الكاميرا، نرى في «سلاي» (المتوافر على نتفليكس) أصدقاء ومخرجين أمثال كونتين تارنتينو الذي يدافع بحماسة عن حياة ستالون المهنية، و«عدوه اللدود» أرنولد شوازرنيغر (الذي يتوافر عنه وثائقي خاص من حلقات عدة على نتفليكس أيضاً). بالإضافة إلى فرانك شقيق ستالون وأصدقاء ممثلين ومخرجين أمثال تاليا شاير وهنري وينكلر وحون هيرزفيلد.
يروي لنا ستالون بالتفاصيل كيف أصبح أيقونة أميركية عندما صدر فيلم «روكي» عام 1976، وكيف حصل على جائزتي أوسكار وتغيّرت حياته بين ليلة وضحاها. فجأة، بدأ الولد الفقير، ابن عاملة التنجيم ومصفّف الشعر، يكسب مئات آلاف الدولارات ويحتكر أغلفة المجلات والبرامج الحوارية. ولكنّ ستالون يُخبرنا بينما عمّال التوضيب يجهزون كل شيء لنقل الأثاث إلى بيت آخر سينتقل إليه نجمنا ــــ كيف أن الطريق إلى الشهرة لم تكن سهلةً أبداً. ولد ستالون في حي هيلز كيتشن في نيويورك عام 1946. يزور الشارع الذي عاش فيه طفولته في الفيلم. هو اليوم شارع راقٍ، ولكنه كان في الماضي منطقةً مهمّشة يتواصل فيها الناس بالصراخ من النوافذ. يقول عن والده إنّه كان «شخصاً جسدياً جداً» بكل ما يعنيه ذلك، ووالدته جميلة وصاخبة جداً.

ناضلَ من أجل «روكي» بعدما أرادت استديوات هوليوود شراء السيناريو

كانا يتجادلان بعنف طوال الوقت وانتهى بهما الأمر إلى تقسيم الأسرة نصفين: انتقل ستالون مع والدته إلى ماريلاند، وانتقل شقيقه فرانك إلى فيلادلفيا مع والده. يكمل ستالون كيف ذهب إلى نيويورك، وتوسل الصداقات ونام في محطات الحافلات وبحث عن الكستناء ليأكل. عمل أي شيء وشارك في فيلم إباحي بعنوان «الفحل الإيطالي» عام 1970. بعد سنوات من لعب الأدوار الصغيرة التي كان يُطلب منه فيها أن يظهر من دون قميص، قرر ستالون أنه إذا لم يراهن عليه أحد، فإنه سيراهن على نفسه. هكذا، حبس نفسه لكتابة قصة الملاكم روكي بالبوا، الذي يصرّ ستالون على أنّه قصة حبّ لرجل وحيد ليس إلا.
يتحدث ستالون عن علاقته المضطربة بوالده، التي خلّفت له صدمةً سيحملها معه طوال حياته. يحكي أيضاً كيف أنّ نجاحه ظلمَ أخاه في حياته المهنية. أثبت ستالون أنّه كان أكثر من رجل ذي جسم عضلي، ناضل من أجل «روكي» بعدما أرادت استديوات هوليوود شراء السيناريو. أخرجه بنفسه ووصل به إلى العالمية، بعد عدة اختيارات أفلام سيئة وأدوار كوميدية متواضعة جداً. يوضح الوثائقي كيف أن ستالون صنع قدره بنفسه، وغامر بإنتاج فيلم من توقيعه، وحارب شياطينه، وتحيزات كثيرين استهانوا به. بعد «روكي»، أكمل في سلسلة «رامبو» و«المرتزقة» وواصل ستالون البالغ 77 عاماً القتال حتى اليوم ولن يستسلم أبداً.
فجأة بدأ الولد الفقير ابن عاملة التنجيم ومصفّف الشعر، يكسب مئات آلاف الدولارات


لا يختلف أسلوب «سلاي» عن وثائقيات السيرة الذاتية التي تتبع ترتيباً زمنياً، عادة ما يعرض أهم اللحظات في حياة النجم، وقراراته الجيدة والسيئة، انطلاقاً من أكبر عدد ممكن من الزوايا وبطريقة موضوعية جداً حتى نتمكن من رؤية الإنسان خلف الرمز بكل نقاط قوته وضعفه. لكن الوثائقي يصطدم بعائقين كبيرين: الأول هو مدته البالغة 96 دقيقة فقط، ما يستحيل سرد سبعة عقود مهنية غنية، وتصوير اللحظات التاريخية والتناقضات والحكايات الشخصية. أما الثاني، فهو مرتبط أيضاً بالإيجاز، فمعظم الوقت، نرى ستالون هو الذي يهيمن على المقابلات على حساب كل الشخصيات الأخرى. كنا نتمنى أكثر أن نسمع حكاياته من أصدقاء ورفقاء دربه. مع ذلك، فإن الاستماع إلى ستالون ليس بالشيء السيء، فهو يسافر عبر الزمن مع هدير صوته المميز، ويتذكر الطريق الوعرة التي قادته إلى النجومية. نية المخرج توم زيمي واضحة منذ البداية، هو أن نرى ستالون هذه المرة ليس فقط كبطل أكشن، بل كفنّان وإنسان. لذلك، ليس «سلاي» رحلة حنين إلى الماضي، بل اعترافات رجل بلغ من العمر سبعة وسبعين عاماً. يخبرنا ستالون الإنسان سبب إصابته بشلل في الوجه، وكيف فقد ابنه الذي كان يبلغ 36 عاماً في عام 2012. يكشف لنا أنّه يندم قليلاً على بعض القرارات، ويفتخر بعدد من الإنجازات، ولكنّه يعترف بأنه لم يخصص الوقت الكافي لأسرته. يظهر المشهد الختامي ستالون وزوجته وبناته كأنه نوع من الاعتذار ولمّ الشمل مع عائلته التي تعدّ الأكثر أهمية بالنسبة إليه سواء داخل الشاشة أو خارجها!

* Sly على نتفليكس