تعقيباً على مقال الزميل الحسام محيي الدين «انتخابات «اتحاد الكتاب اللبنانيين»... «نهوض ثقافي» من دون مقاومة؟» المنشور في «الأخبار» يوم 24 كانون الثاني (يناير) 2024، وردنا ردّ من «الهيئة الإدارية لاتحاد الكتّاب اللبنانيين» جاء فيه: «أولاً: إنّنا لا نعرف صاحب الاسم، الذي نشرت جريدتكم الموقّرة مقالته المسيئة وغير المنصفة، ولربما هو أيضاً، لا يعرف عنّا إلّا القليل. ثانياً: إنّ بيان الهيئة الإداريّة الجديدة الانتخابيّ يلحظ ويلفت، بلغةٍ لا لبس فيها، ولا تلتبس على قارئٍ حصيفٍ، فضلاً عن العاديّ، إلى الدفاع عن هويتنا وانتمائنا وتراثنا وثقافتنا ووطنيتنا، في الفقرة الأولى من البيان، وهذا يُجمل كلّ القضايا التي تدافع عنها الأمّة، وتذود، وبما في ذلك فلسطين الحبيبة.

(بوليغان ـ المكسيك)

ثالثاً: إنّ عدد المقترعين في الانتخابات الأخيرة قد بلغ 147 مقترعاً، في ظروف حربٍ، ووضعٍ اقتصادي متردٍ، وطقسٍ صقيعي رديء، من مجموع الهيئة الناخبة البالغ عددها 175 عضواً، من أصل حوالى 800 عضو يشكلون الهيئة العامة. وهنا لا بدَّ من التوضيح إلى أن الهيئة الناخبة تختلف عن الهيئة العامة. الهيئة الناخبة هي مجموع الأعضاء المسددين لاشتراكاتهم السنوية حتى لحظة الانتخاب. ولا يفوتنا أن نذكِّر بعدد المنتخبين في الدورتين الأخيرتين، ففي أولاهما شارك 49 عضواً وفي ثانيتهما 74 عضواً.
وهنا اختلط الأمر على صاحب المقال بغير قصد، أو خالط على نفسه الأمر عن سابق تصميم، ذلك أنّ نسبة الاقتراع هي 84% من أعضاء الهيئة الناخبة. وبالتالي الحديث عن مقاطعة من قبل الغالبية غير دقيق وفي غير محلِّه.
رابعاً: إنّ جلَّ من فاز في لائحة «النهوض الثقافي» هم عرّابو اللقاء الأدبي الكبير، الذي شاركت فيه سبع عشرة مؤسسةً ثقافيةً لبنانيةً وفلسطينيةً، في وقفةٍ صارخةٍ مع فلسطين وغزة، تحرّض الشعوب العربية على الاضطلاع بمسؤولياتها تجاه هذه القضية وعلى المستويات كافّة، بعد عملية «طوفان الأقصى» المظفّرة، في السابع من أكتوبر 2023، في الوقت الذي لم يبادر كثيرٌ من المؤسسات والمنتديات الثقافية في لبنان إلى الاضطلاع بهذا الدور، أو إشراع أبواب مؤسساتها، ونصب منابرها لتأدية هذا الواجب القومي والإنساني العظيم.
خامساً: إنّنا إذ نربأ بصاحب المقال، الذي يهرف بما لا يعرف، أن يخوض مع الخائضين في النيل من هذه الهيئة الإداريّة، وبرنامجها الثقافي، وندعوه إلى أن يعود إلى مؤلَّفات بعضهم، التي تربو على سبعة عشر مؤلَّفاً، وإلى مواقع التواصل، والجامعات، حيث يؤدّون أدوارهم المعرفية العميقة على منابرها، وإلى وسائل الإعلام التي استضافتهم، واطّلعت على إمكاناتهم، وإلى حضورهم الفاعل في الوسط الثقافي اللبناني والعربي، ليتعرّف إليهم أكثر؛ عساه يصوّب ما اسُتدرج إليه من إجحافٍ بحقهم، وذلك أدنى ما يتوجّب على ذي خلقٍ كريمٍ.
سادساً: لو كان صاحب المقال يدري بأنّ بعض الأسماء الواردة في هذه اللائحة، هم مقاومون من الطراز الرفيع، لا بالكلمة وحسب، بل بالبندقية، في الوقت الذي كان فيه السلاح يُلقى على قارعات الطرق وفي حاويات النفايات وفي البساتين العميقة، وترفع الرايات البيضاء، ويفرّ الفارون، ويتنصَّل المتنصلون، كان بعضهم يقاتل في مدينة الزهراء في خلدة وعند مثلَّثها و«الكورال بيتش»، وقد اسُتشهد معه رفاقٌ هناك، حملهم على كتفيه، وبعضهم الآخر يدوس قنن الجبال الحادّة في الجبّور وإقليم التفّاح ومناطق الجنوب، في الوقت الذي كان كلّ من يسلك هذا المسلك، يُتهم بالجنون.
سابعاً: إنّ من نكد الدهر علينا، أن يخرج من يزعم أنّ لائحة «النهوض الثقافي» هي لائحةٌ طائفيةٌ، وهو لا يعرف هويّات أعضائها، المتناصفة بين المسلمين والمسيحيين، قدراً بقدرٍ، ومن نكد الدهر علينا أكثر، أن يدفعنا زمن التعسّف والنيل من كرامات الناس إلى أن تهبط بنا الأيام إلى مستوى، نضطر فيه إلى الردّ على هذه المغالطات، واللغة الديماغوجية التضليلية، التي لا تنطلي على عاقلٍ وقارئٍ حصيفٍ، أو حتّى على مواطنٍ عادي.
ثامناً: لقد قلب الخطابُ التضليليُّ المعادلاتِ الديمقراطيةَ، القائمة أساساً على الانتخابات الشريفة الشفّافة، ليستبدل بها التوافق، فيصبح الأصل ثانوياً، والثانوي أصلياً، فيُدان الانتخاب التنافسيّ الشريف، ويعرّض به، وتمجّد التوليفة التوافقيّة، كما درجت العادة، في كثير من مواضع الانتخاب في لبنان، فيجري ذلك على الشريحة المضطلعة بالثقافة والمعرفة.
تاسعاً: إنّ فوقيّة الخطاب التهكّميّ الهزليّ المعتمَدة في المقالة، هي فوقيّة استفزازيّة للمتسرِّعين والنزِقين، وهي أيضاً نسخةٌ عن مأزوميّة صاحبها، ولن تقودنا أبداً، نحن المترفِّعين عن ضوضاء التهم وصخبها وفوضويتها، إلى أن تشغلنا عن وظيفتنا النهضويّة، وتواصلنا مع جميع مثقفي بلادنا، المتفقين معنا أو المختلفين على حدٍ سواء، وستحثّنا أكثر على تحدّي واقعنا كلّه، لنقود اتحاد الكتّاب اللبنانيين إلى شاطئ النماء المعرفي والثقافي؛ فسفينتنا أمتن من أن تتلاطمها العواصف والأنواء والبحار الهائجة بغضب.
عاشراً: إنّ أعضاء الهيئة الإداريّة في «اتحاد الكتّاب اللبنانيين»، لبنانيون منحدرون من لبنانيين أصيلين، منذ أن بدأ التاريخ، وجزءٌ كبيرٌ منهم يحمل هويّته ممهورةً بدم الذود عن لبنان، وقضية الأمّة المركزيّة فلسطين، ليسوا مقيمين في الطائرات، إنّهم يقضون عطلهم بين عيالهم وفي ظهراني أبناء جلدتهم، شقّوا أرض الكادحين، ونبتوا فيها، رغماً عن محاولات إضحالها، وأكلوا بالملاعق الخشبيّة، طهوا خيرات أرضهم، أكلوا من طيباتها بكدّهم وعرق جبينهم، وكتبوا عنها أجمل القصص والقصائد، وتوارثوا حكاياتها الأصيلة، أباً عن جدٍّ.
حادي عشر: يبدو أنّ منطق أرسطو، اليوم، يعاني من ضيق أذهان البعض، فيتألّم منطقه لهذا الضيق الحادّ، من دون أن يكون بيده حيلةٌ، لعَيبٍ في نطاق الذهن، لا في منطق أرسطو عينه؛ ذلك أنّ عبارة العمل الجادّ، التي تسلّق عليها الكاتب، ليبني على أساسها فحوى مقالته، لا تنفي عن الآخرين جدّيتهم، وإنّما تؤكّد المنهاج والمسار الجدّيين، اللذين آمنت بضرورتهما لائحة «النهوض الثقافي»، التي لم تسلب سواها ممّن سبق، ما بذلته الهيئات السابقة من جهد، فالقاعدة المنطقيّة تقول: «ثبوت شيءٍ لشيء، لا يعني نفيه عمّا عداه».
وأخيراً: فلقد كال علينا كثيرٌ من المرجفين ما كالوا، وجيّشوا ما جيّشوا، ولم ننقد إلى سجالٍ مع أحد، لا في الصحف، ولا عبر وسائل التواصل، أو قنوات التلفزة، غير أنّ حساسيّة ما ورد في مقالة كاتبكم، من إلصاق تهمٍ، غير صحيحةٍ، في جملتها وتفصيلها، فرض علينا، كارهين، أن نردَّ عليه، سائلين الله أن يجنِّبه الشبهة، ويعصمه من الحيرة والضلال، ويجعل بينه وبين المعرفة نسباً.