القاهرة | عندما خرج أحمد سعد أخيراً في فيديو يعلن فيه عن تبرّعه بمبلغ خمسين ألف دولار أميركي لمصلحة الاقتصاد المصري المتعثّر، كان حريصاً على نفي أن يكون الأمر مرتبطاً بتوجيهات. نفي مسبق لا يتحمّل المغنّي المصري مسؤوليته، وإنّما القائمون على النظام المصري بعدما تدخّلوا مراراً وتكراراً في كل الساحات، وخصوصاً الفنية التي تعرّضت لتغييرات كثيرة في السنوات الأخيرة. تغييرات تدفع الرأي العام إلى تحليل كل تصرّف وربطه باحتمالات عدّة قبل أن يصدّقها حتى في غياب أي دليل واضح. في هذا السياق، وضع بعضهم التبرّعات السابقة لصندوق «تحيا مصر»، أبرزها ثلاثة ملايين جنيه مصري من الفنان ياسر جلال، في إطار «الأوامر»، لتشجيع آخرين على القيام بالخطوة نفسها. علماً أنّه منذ أن جسّد شخصية عبد الفتّاح السيسي في مسلسل «الاختيار 3» قبل عامين، يعتبر بعضهم أنّ جلال ممثل للرئيس وإن لم يحاول أبداً استثمار الدور، لا بل يمكن القول إنّه أكثر المتضرّرين لأنّ الناس ينشرون صوره ويذكرون اسمه حتى الآن إذا أرادوا انتقاد «الريّس».بالعودة إلى أحمد سعد، فقد قال إنّ التبرّع سيكون من عائدات حفلاته الخارجية. أمر يبدو كأنه يمنح مصر جزءاً من دخله الآتي من السعودية حيث النصيب الأكبر من السهرات. كما أنّه البلد الذي يخاصم المحروسة حالياً ويرفض مدّها بالعون، سواءً على مستوى الاستثمار أو المنح غير المردودة، بعدما تغيّرت سياسة المملكة تجاه الشقيقة الكبرى. وقبل كل ذلك، تأتي التصريحات المثيرة للدهشة التي خرجت من رئيس «حزب الوفد»، عبد السند يمامة، مطالباً بسن قانون يرغم المصريين العاملين في الخارج على تحويل 20 في المئة من رواتبهم إلى البنك المركزي المصري لدعم الاحتياطي النقدي الأجنبي. اقتراح لا محل له من الإعراب ويستحيل تنفيذه، لكنّه حقق انتشاراً بعدما ضرب يمامة مثالاً براتب نجم كرة القدم محمد صلاح وحجم ما ستحصل عليه مصر منه. مصر البريئة من كل ذلك، بات اسمها يتردّد في مشاريع قوانين تجبر أبناءها على التبرع برواتبهم، وهم الذين خرجوا منها بسبب غياب الفرص وانعدام العدالة. هذا الاقتراح فرض سيناريو آخر حول تبرّع أحمد سعد، مفاده أنّ المشاهير قرّروا التبرّع تفادياً لسنّ أي قانون أو إجراء يجبرهم على كشف حجم مداخيلهم من الخارج بالعملة الصعبة. كل هذه الاحتمالات، ربّما تلخّص حالة التيه التي يعيشها المصريون بسبب التردّي الاقتصادي، الذي لم يسلم منه لا المواطنون البسطاء ولا حتى المشاهير. واللافت أنّ الدولة التي تحاول سن قوانين جديدة من أجل الحصول على أموال أبنائها في الخارج، هي نفسها التي تدخّلت بتصرّفات غير مسؤولة وجعلت تحويلات المصريين في الخارج تتراجع بنحو 25 في المئة، في العامين الأخيرين، بسبب التضييق عند تسلّم ذويهم المبالغ بالدولار الأميركي من المصارف المصرية. هكذا، تكوّنت شبكات تنقل الأموال إلى داخل البلاد بعيداً من الجهاز المصرفي، فيما لا أحد من الكبار يتحرّك لوقف هذه المهزلة. مع ذلك، لم يجد فنان مثل أحمد سعد بدّاً من التبرّع، علّه يدعم فعلاً اقتصاد بلده، وإن كانت دعوته لم تلق صدى عند باقي الفنانين حتى الآن، ربّما في انتظار التأكّد من أنّ الأموال ستذهب فعلاً إلى مكانها الصحيح، وليس إلى ذلك الذي يفضله عبد الفتاح السيسي.