لندن | في غضون أيام قليلة، سيقرر قضاة بريطانيون ما إذا كان الناشر والصحافي الأسترالي جوليان أسانج قد استنفد جميع الإجراءات الممكنة في محاكم المملكة المتحدة للاعتراض على قرار الحكومة بتسليمه إلى السلطات الأميركيّة التي تطارده منذ أكثر من عقد بتهمة نشر وثائق رسميّة سريّة عرّت أساليب الهيمنة على موقع ويكيليكس الشهير. في حال إدانة أسانج في الولايات المتحدة وفقاً لقانون التجسّس، فقد يُحكم عليه بالسجن لما يصل إلى 175 عاماً. وما لم ينجح فريق الدفاع في الحصول على فرصة أخرى لتقديم طعن في قرار وزيرة الداخلية البريطانية السابقة بريتي باتيل العام الماضي بالموافقة على طلب التسليم الأميركي، «فقد ينقل أسانج بعدها بأيّام قليلة مخفوراً على متن طائرة عسكرية خاصة متجهة إلى الولايات المتحدة» وفقاً لما قالت زوجته (البريطانية) ستيلا أسانج. وتعقد للتداول في طلب الطعن جلسة استماع في محكمة في لندن قد تستمر ليومين (غداً وبعده). ومن شأن رفض الطعن، الذي يعد الفرصة الأخيرة لتمديد الجدل القانوني حول قرار سيّئة الذكر باتيل، أن يفتح الباب لإتمام الإجراءات الشكلية لعملية التسليم. وأعربت ستيلا أسانج في تصريحات لها عن خشيتها من أنّ تسليم زوجها إلى الجلاد الأميركيّ سيكون بمثابة حكم بالإعدام عليه. وأعلنت بأن طلبه بحضور جلسة الاستماع شخصياً حتى يتسنى له التواصل مع محاميه في المحكمة لم تتم الموافقة عليه بعد. وباستثناء مرّة واحدة عابرة منذ أسره قبل خمس سنوات، فإن أسانج راقب دائماً الإجراءات القانونية بحقه في مداولات المحاكم الملكيّة افتراضياً عن بُعد.
ويقبع الصحافي والناشر الذي يبلغ 52 عاماً في سجن بلمارش (شمال لندن) المخصّص لعتاة المجرمين، من دون توجيه أي تهم قانونية له بعدما قبضت عليه الأجهزة الأمنية البريطانية على إثر طرده من مقر لجوئه السياسي في السفارة الإكوادورية لدى بريطانيا. وكان أسانج مطارداً من قبل الاستخبارات المركزيّة الأميركيّة منذ عام 2010، ولُفّقت له تهم ارتكاب اعتداءات جنسيّة في السويد – أسقطت في ما بعد – ما اضطره إلى طلب اللجوء لدى المقر الديبلوماسي لحكومة الرئيس الإكوادوري اليساري رافائيل كوريا في لندن، حيث أمضى سنوات عدة محاصراً قبل أن يستعيد اليمينيون الموالون لواشنطن السلطة من اليسار، ويقرروا التخلص من أسانج فأسقطوا عنه الجنسيّة الإكوادوريّة، التي منحها له الرئيس كوريا.
وقد كشف موظف أميركيّ كبير سابق عمل في مكافحة التجسس بأن مسؤولين على أعلى المستويات في إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ناقشوا بالفعل أفكاراً للتخلّص من أسانج، وذهبوا إلى حد الطلب إلى وكالة الاستخبارات المركزية الأميركيّة بوضع «خطط» لاختطافه، وتقديم «اقتراحات» حول طرق ممكنة لاغتياله، فيما تواطأت حكومات غربيّة منها السويد وإسبانيا وبريطانيا للإيقاع به عبر مناورات قانونية، وسهّلت للاستخبارات الأميركية سبل التجسّس عليه في مقر سفارة الإكوادور. كما امتنعت الحكومات الأسترالية المتعاقبة، على اختلاف تموضعاتها يميناً ويساراً، عن التدخّل بالوسائل القانونية أو الديبلوماسيّة لحماية مواطنها المطارد – والأسير لاحقاً - تجنباً لإغضاب الأميركيين.
موقع ويكيليكس، الذي أسّسه أسانج، كان قد اشتهر بعدما نشر شريط فيديو لطاقم جوي أميركي يقتل المدنيين عمداً - منهم صحافيون - في بغداد أثناء تحليق في عام 2007. لكنّ الموقع صنع التاريخ تالياً بعدما نشر آلاف الوثائق السريّة والبرقيات الديبلوماسية الأميركية، التي كشفت بما لا يدع مجالاً للشك، عن أساليب العمل الإجرامية التي تمارسها النخبة الحاكمة في واشنطن في إدارتها للإمبراطوريّة، وأدوات التجسّس والقرصنة التي تمتلكها. وقد نشرت حينها صحف عالمية (من بينها «الأخبار») نماذج من تلك البرقيات. وبينما تبدو ردود الأفعال على إمكان تسليم أسانج خجولةً ورمزية على أحسن تقدير، فإن فناناً روسيّاً قال إنّه جمع كنزاً من لوحات لفنانين عالميين أمثال بيكاسو ورامبرانت في قبو سريّ، وهدّد بتدمير محتوياته إذا مات أسانج في سجنه. وقال أندريه مولودكين للصحف بأنّ «أسانج مستهدف فقط لأنه نشر مواد تكشف الحقيقة». وأضاف: «لقد ثوّر هذا الرجل جذرياً مهنة الصحافة ونشر المعلومات. وبالنسبة إلي شخصياً، غيّر العالم، ولذلك فإن التاريخ كما أراه ينقسم إلى ما قبله وما بعده».