القاهرة | تمتلك شركة «آيكون» التابعة لمجموعة طلعت مصطفى الاستثمارية 15 فندقاً تقع في أماكن سياحية مهمة، مثل القاهرة والإسكندرية وشرم الشيخ والأقصر ومرسى علم، وتُعدّ الفنادق التي اشتهرت أخيراً بالشراكة مع الإماراتيين درّة فنادق مصر عموماً، إذ تشمل «ماريوت الزمالك»، و«مينا هاوس»، و«ريتز كارلتون» في القاهرة، و«سيسيل» في الإسكندرية و«كتراكت» و«موفنبيك» في أسوان، و«وينتر بالاس» في الأقصر. فنادق شاهدة على تاريخ مصر العريق، فقد شيّد فندق «ماريوت» التاريخي الخديوي إسماعيل الذي اشتهر برفع ديون مصر إلى مستويات تاريخية أيضاً. شيّد الفندق من أجل استقبال الإمبراطورة أوجيني زوجة نابليون الثالث وقت افتتاح قناة السويس قبل 146 عاماً، وأقام فيه أمراء هولندا وإمبراطور النمسا فرنسوا جوزيف، وفنانون فرنسيون، وشهدت قاعاته الاحتفال بزفاف ابن الخديوي إسماعيل، وزفاف الملك فاروق على الملكة ناريمان آخر ملكات مصر.
شيّد فندق «ماريوت» الخديوي إسماعيل الذي اشتهر برفع ديون مصر إلى مستويات تاريخية أيضاً

تعاون في تصميم فندق «ماريوت الزمالك» المعماري النمسوي يوليوس فرانز وديل روس الذي صمّم قبل ذلك قصر عابدين، وقد مزج تصاميم تجمع الطرازات الإسلامية بالأوروبية في مبناه، واستغرق البناء خمس سنوات، إذ كان وقتها يسمى بـ «قصر الجزيرة» قبل أن يتحوّل إلى «فندق قصر الجزيرة». وفي عام 1903، أضيفت غرف إلى القصر وأصبح فندقاً كبيراً، حتى إنّه تحول إلى ثكنة عسكرية ومستشفى في الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، ثم تحول إلى مسكن خاص للأمير الشامي لطف الله حين اشتراه. وظلّ في حوزته حتى تأميمه في عهد عبد الناصر ليصبح فندق «عمر الخيام» يحوي اليوم أجنحة ملكية وأخرى رئاسية وتديره مجموعة «ماريوت» العالمية.
أما فندق «مينا هاوس»، فقد شيّده الخديوي إسماعيل أيضاً أمام أهرامات الجيزة، أهم الآثار المصرية على مدار التاريخ. ضمّ الفندق أول مسبح في مصر، ومرّت عليه شخصيات شهيرة مثل تشارلي شابلن (1889-1977) وأفراد من العائلة الملكية البريطانية، والكاتب آرثر كونان دويل الذي ألف شخصية «شرلوك هولمز».
وكان فندق «ريتز كارلتون النيل»، أحد الفنادق المباعة ضمن الصفقة، شُيِّد في عهد عبد الناصر، وشارك في افتتاحه ملك الأردن، ورئيس سوريا آنذاك حافظ الأسد، وعُرف بأنه مكان إقامة الرؤساء بعدما أقام فيه الرئيس الأميركي جيرالد فورد حين زار مصر، والرئيس المصري الراحل أنور السادات. ويطلّ الفندق على المتحف المصري في ميدان التحرير عبر حديقته، ومن الناحية الأخرى تطل شرفاته على نهر النيل في وسط القاهرة.
ويعدّ «كتراكت أسوان» فندق الملوك الذي دائماً ما حلّ ضيوف مهمّون جداً عليه من كل أنحاء العالم. الفندق بني على جزيرة «إلفنتين» الشهيرة في أسوان، ويبرز في تصميمه المزج بين الزخارف البربرية والفيكتورية والمشربيات المصرية القديمة، وهو يُعدّ أحد أهم فنادق أسوان. حضر افتتاح مطعمه الرئيسي الخديوي عباس حلمي، كما زاره رئيس وزراء بريطانيا وينستون تشرشل واللورد كرومر، والزعيم الهندي أغاخان الثالث الذي دفن إلى جوار الفندق بناء على طلب منه. وزارته الكاتبة الشهيرة أغاتا كريستي أثناء كتابة بعض أعمالها من بينها رواية «غموض»، كما تم تصوير مسلسل مصري يحمل عنوان «غراند أوتيل» في الفندق عام 2016.
أما فندق «سيسيل» في الإسكندرية، فيرتبط بأسماء مشاهير في الفن والسياسة أمثال فاتن حمامة، وعمر الشريف، ومحمود المليجي، ووينستون تشرشل الذين أقاموا فيه جميعاً. وتحمل بعض الغرف أسماء مشاهير مرّوا بهذا الفندق مثل غرفة 307 التي تحمل اسم «كوكب الشرق» أم كلثوم.

فندق «مينا هاوس» بجوار أهرامات الجيزة في عام 1891 تقريباً

تمتلك الشركة المصرية العامة للسياحة والفنادق «إيجوث» 27 فندقاً. بعدما لجأت الدولة إلى خطة لبيع الأصول الحكومية للقطاع الخاص في إطار ما يعرف بالتخارج، وبدأت الصفقة في عهد وزير قطاع الأعمال السابق هشام توفيق الذي أعلن وقت عمله في الحكومة أنّ صفقة بيع الفنادق التاريخية تشمل فقط 30 في المئة من قيمتها، وكانت الأخبار المتداولة حينها عن قيمة تراوح بين مليار دولار ومليار و300 مليون دولار. وفي منتصف العام الماضي، كانت قطر راغبة إلى جانب الإمارات في الاستحواذ على الصفقة، لكن جرت مياه كثيرة في نهر البيع الحكومي وآلت الصفقة أخيراً إلى الإماراتيين، ويبدو أنها كانت مقدمة لصفقة «رأس الحكمة» (تابعة لمحافظة مرسى مطروح) الأخيرة.
لم تبع الحكومة المصرية بشكل مباشر الفنادق للإماراتيين، لكنها لجأت إلى «وساطة» رجل الأعمال المصري هشام طلعت مصطفى الذي سُجن سابقاً على خلفية قتل الفنانة سوزان تميم في دبي. يأتي ذلك ضمن برنامج الطروحات الحكومية الذي تعمل عليه مصر من أجل توفير الدولار الذي يضرب نقصه في الاقتصاد المصري بقوة، وجعل شركات تخرج من السوق بسبب ذلك أبرزها «شركة الشايع» الكويتية.
درّة فنادق مصر الشاهدة على تاريخها آلت إلى الإماراتيين عبر مجموعة طلعت مصطفى الاستثمارية

وبناء عليه، امتلكت مجموعة طلعت مصطفى القابضة في كانون الأول (ديسمبر) 2023 قرابة 39 في المئة من شركة «ليغاسي» (شركة بين صندوق مصر السيادي وشركة «إيجوث») للفنادق الحكومية بقيمة 700 مليون دولار، ثم عن طريق شركة «آيكون» التي آلت إليها حصة 51 في المئة من ملكية الفنادق التاريخية بدلاً من النسبة الأولى المعلن عنها، باعت «آيكون» الفنادق إلى «مجموعة أبو ظبي» الإماراتية القابضة، رغم أن وقت استحواذ طلعت مصطفى على الفنادق من الحكومة المصرية، لم يُكشف عن هوية الشريك الأجنبي له في الصفقة. إذ أعلن فقط أنّ البيع تمّ بالشراكة مع مستثمر أجنبي. أمر أثار شبهات عدة حول عملية البيع، وخصوصاً أنّ الإماراتيين لم يتقدّموا بشكل مباشر إلى الحكومة المصرية لشراء حصة الفنادق منها، في وقت تبحث فيه مصر عن مشترين لشركات عديدة طرحتها ضمن برنامجها للطروحات الحكومية. وارتسمت تساؤلات عدة عمّا إذا كان هذا يعكس غضباً مكتوماً بين النظامين المصري والإماراتي، وخصوصاً مع إحجام سعودي وإماراتي عن الشراء المباشر للشركات المطروحة من قبل الحكومة المصرية والتراجع عن صفقات كثيرة جرى الحديث بشأنها وهذا كله قبل «رأس الحكمة».
وعموماً، فقد أصبح البيع للجميع عنواناً للحكومة المصرية الحالية في ظلّ فشلها في مواجهة الأزمة الاقتصادية. ويمثّل البيع للإمارات تحديداً عنواناً فرعياً لهذه الفترة. فقد استحوذت الإمارات على مشاريع مصرية مهمة، ومعظمها يحقّق أرباحاً كبيرة، منها حقّ إدارة وتشغيل ميناء سفاجا لمدة 30 عاماً، وشركة «آمون» للأدوية وهي إحدى الشركات المصرية الرائدة في توزيع وتصدير المستحضرات الدوائية. كذلك، آل إلى الإماراتيين خمسون في المئة من شركة «توتال» رابع شركة في مجال محطات الوقود داخل محافظات مصر كلها، و75 في المئة من شركة الإسماعيلية للاستثمارات الزراعية «أطياب»، وشركة «سوديك» العقارية. كما تسيطر الإمارات على أكبر معامل التحاليل الطبية في مصر «البرج» و«المختبر»، وقبلها قرابة 40 في المئة من إجمالي قطاع المستشفيات الخاصة في مصر. صفقة قيل عنها إنّها تضع صحة المصريين وعلاجهم في يد الإمارات.