الترويكا الأوروبية تتكفّل «تدبّر» الموقف الأميركي وجنبلاط يتّهم «حزب الله» بالاغتيالات
نفخ لقاء المصالحة بين الرئيس أمين الجميّل والعماد ميشال عون، الذي استمر ساعتين ليل أمس، الروح في مبادرة بكركي، وهو أتى غداة انتهاء زيارة وفد الترويكا الأوروبية، التي لمّحت مصادر الى أنها ربما حملت تفويضاً أميركياً بالوصول الى توافق على الاستحقاق الرئاسي، وبدا أنها أثمرت، بشكل رئيسي، إرجاءً شبه مؤكد لجلسة غد المقررة لانتخاب رئيس للجمهورية، وشددت على دعم مبادرتي بكركي والرئيس نبيه بري الذي يرجح أن يدعو الى جلسة ثالثة في المدة الفاصلة عن 10 تشرين الثاني المقبل، في ضوء مشاورات سيجريها بغية إنضاج التوافق، فيما أبقى النائب وليد جنبلاط لهجته التصعيدية ضد «حزب الله» وسوريا متهماً إياهما بالوقوف وراء الاغتيالات.
وصدر اثر اللقاء الذي عقد بين عون والجميّل، في المطيلب في منزل نائب رئيس الجامعة الاميركية في دبي الياس أبي صعب، بيان مشترك تلاه الجميل جاء فيه أن البحث تطرق الى «كل المستجدات المتعلقة بالاستحقاق الرئاسي بهدف تهيئة أجواء إيجابية قائمة على الوفاق واحترام الدستور». وتم التأكيد على «التزام الأطر السياسية والوسائل الديموقراطية لحل أي خلافات قائمة بين اللبنانيين»، و«توسيع دائرة الحوار بين كل الاطراف واعتبار هذا اللقاء مقدمة لاجتماعات أخرى تعقد بين كل القادة المسيحيين واللبنانيين من أجل تغليب منطق التفاهم على منطق التصادم». كما جرى التأكيد على أن «موقع رئاسة الجمهورية هو الموقع الاول في الدولة ويرمز الى فرادة الهوية اللبنانية في هذا الشرق، كما أن رئيس الجمهورية هو المؤتمن على الدستور اللبناني وعلى وحدة الارض والشعب، وعليه فإن استعادة دور المسيحيين في لبنان ووقف مسلسل التهميش الحاصل بحقهم يبدأ باستعادة دورهم الفعلي أولاً في ملء سدة الرئاسة بما يتناسب وموقعها، وثانياً في ممارسة صلاحيتها بما يتوافق مع الدستور ومع إعادة التوازن الحقيقي بين المؤسسات».
وقال عون إن الاجتماع «بداية، ونأمل أن تكون هناك لقاءات ثنائية مستقبلاً، ولقاءات أوسع حتى نتوصل الى تفاهم على هذه المبادئ، وبما يتلاءم مع طمأنة اللبنانيين والوصول الى حل توافقي، وخصوصاً في ما يتعلق بالانتخابات الرئاسية».
وقالت مصادر مطلعة لـ«الأخبار» إن عون نسّق قبل اللقاء مع الوزير سليمان فرنجية ومع حلفائه الأرمن، فيما نسّق الجميل مع حلفائه في 14 آذار فأوفد نجله سامي الى قائد «القوات اللبنانية» سمير جعجع وصهره ميشال مكتّف الى النائب سعد الحريري ومستشاره سليم الصايغ الى بكركي ليبلغ صفير أن الجهود التي تبذل تأتي في إطار دعم مبادرة بكركي ولتسهيل عمل اللجنة الرباعية. وأضافت ان اللقاء تخلله «حديث صريح في كل القضايا، وأشارا الى ضرورة إتمام الاستحقاق في موعده بالتوافق، إن لم يكن بالإجماع».
وسبقت اللقاء زيارة نهارية للنائب جورج عدوان الى الرابية، فيما ذكرت مصادر متابعة أن اللقاء ربما يكون «تمهيداً للقاء الأقطاب الأربعة الذي دعا إليه عون في بكركي، على خلفية عدم السماح بتوجيه صفعة الى المركز الماروني الروحي الأول، أي بكركي، من زاوية عدم إجهاض مبادرتها، وبالتالي للحؤول دون نقل الملف المتعلق بالمركز الماروني الأول (رئاسة الجمهورية) الى جهات أخرى». ونفى النائب أنطوان زهرا، في اتصال أجرته معه «الأخبار»، وجود أي نيّة لدى صفير لجمع الأقطاب المسيحيين الأربعة، ورأى في الحديث عن اختصار المسيحيين بالأقطاب الأربعة «محاولة باءت بالفشل منذ أشهر».

اللجنة الرباعية

وتستضيف بكركي في الساعات المقبلة اجتماعاً جديداً للجنة الرباعية المارونية، قالت أوساط متابعة إنه سيلج الى ما يتعدى طرح مواصفات الرئيس المقبل للجمهورية. وقالت مصادر المجتمعين إن اللجنة ستستأنف اجتماعاتها بعد ظهر غد، وإن الاتفاق تم على عقد لقاءات يومية وإذا اقتضى الأمر مرتين يومياً، سعياً الى إنهاء التصوّر المطلوب في مهلة أقصاها نهاية الأسبوع الجاري.
وقال أحد أعضاء اللجنة لـ«الأخبار» إنه ليس على اللجنة البحث بالأسماء إذ لا يمكن تحميلها مسؤوليات لم تطلب منها أصلاً، وإنما مهمتها «توفير الحد الأدنى من التوافق على القواعد التي يمكن أن يوجه البطريرك على أساسها دعوة إلى قادة الصف الأول للاجتماع في ضيافته، فتكون بذلك قد أنجزت مهمة تاريخية».

زيارة الترويكا

وكان التعويل على مبادرتي بري وبكركي محوراً رئيسياً في ما أبلغه وفد الترويكا الذي ضم وزراء خارجية فرنسا برنار كوشنير وإيطاليا ماسيمو داليما وإسبانيا ميغل أنخيل موراتينوس الى المسؤولين اللبنانيين. وكشفت مصادر دبلوماسية مطلعة لـ«الأخبار» أن الوزراء أبلغوا الفرقاء اللبنانيين أن كلاً من انتخاب رئيس بنصاب النصف الزائد واحداً أو التلويح بالفوضى وتأليف حكومة ثانية أمر غير مقبول، وأن طرفي الأزمة لن يجدا من يؤيّدهما إذا أقدم أيّ منهما على أي من الخيارين. وهم أبدوا استعدادهم للقيام بكل ما هو مطلوب منهم للمساعدة على انتخاب رئيس جديد، وكذلك استعدادهم للمجيء مجدداً إلى بيروت في تشرين الثاني المقبل إذا طلب منهم ذلك لتشجيع الأفرقاء اللبنانيين على التوصل إلى الاتفاق. ولفت الوزراء إلى ضرورة حصول تقدّم في المشاورات التي تجريها بكركي، واعتبروا أن فرص الحل تزداد إذا نجح مسعى الكنيسة المارونية.
وكان رئيس المجلس قد أبلغ وفد الترويكا أن الحوار الذي يجريه مع الحريري مستمر وينتظر نتائج جهود بكركي كي يتقدّم، وأنه والحريري لا يريدان أن يبدو كأن المسلمين هم الذين يقررون بدلاً من المسيحيين استحقاق رئاسة الجمهورية. وفي هذا السياق، لفت موقف للنائب علي حسن خليل قال فيه إن اللقاء الأخير بين بري والحريري عرض 12 اسماً من المرشحين، وإن لقاءً جديداً سيعقد بينهما في أي وقت، متوقعاً انتخاب رئيس قبل 24 تشرين الثاني المقبل من بين الأسماء المطروحة.
وفي ضوء هذه المعطيات وصف مصدر قريب من بري بأنه «بات كمَن يعمل على غزل ثوب الحل، وأن كل الخيوط تجمّعت لديه، ولا ينقصه إلا الخيط الأميركي»، مشيراً الى أن الوزراء الثلاثة أكدوا لرئيس المجلس أنهم «سيتدبّرون أمر الموقف الأميركي».

لقاء قصر الصنوبر

وبالعودة الى لقاء قصر الصنوبر، أبلغ أحد المشاركين «الأخبار» أنه قبيل انعقاد اللقاء الى الطاولة المستطيلة، جلس الحريري في صالون القصر متوسطاً العماد عون والوزير محمد فنيش، فبادر عون الحريري بالقول: «موقعك الطبيعي هنا»، ورد الأخير: «إنني أعمل مع الرئيس بري على تحقيق التوافق آخذين في الاعتبار مبادرة بكركي».
وأشار المصدر إلى أن جميع الحاضرين شددوا خلال الاجتماع مع وفد الترويكا على وجوب إنجاز الاستحقاق على أساس توافقي، باستثناء قائد «القوات اللبنانية» سمير جعجع، فيما أشار الحريري الى أن رئيس الحكومة فؤاد السنيورة عُيّن رئيساً للحكومة بتأييد 126 نائباً، وانتخب الرئيس بري بأكثرية 90 نائباً، «وأتمنى انتخاب رئيس الجمهورية الجديد بأكثر من 90 صوتاً في مجلس النواب».
أما جعجع فشدد على أن «لا مشكلة في الانتخابات، وأن الخلاف هو على نصاب الثلثين»، مشيراً الى أن هناك «جهة خارجية ـــــ داخلية (حزب الله وسوريا وإيران) تسعى إلى عرقلة العملية الانتخابية، وإذا لم نصل إلى اتفاق، فسنذهب إلى الانتخاب وعليكم (وزراء الترويكا الأوروبية) مساعدتنا».

جنبلاط

من جهته، حافظ جنبلاط على وتيرته التصعيدية، فاتهم في حديث الى شبكة «سي أن أن» الأميركية «سوريا وحليفها حزب الله» بالمسؤولية عن عمليات الاغتيال التي تستهدف نواباً في الموالاة، بهدف منع مجلس النواب من «أن ينتخب، بحرية، رئيساً يحترم القانون والقرارات الدولية». وقال: «كنا غالبية من 69 نائباً. نحن الآن 68... وإذا تمكنوا من قتل أربعة من بيننا، فلن نكون غالبية»، مبدياً «مخاوف قوية جداً» من أن يبقى نواب الغالبية في منازلهم أو في فنادق «حيث لا تفتح نوافذ بسبب قناصة محتملين».