نيويورك ـ نزار عبود
انتقل البحث في ملف المحكمة الدولية الى مرحلة المشاورات الأخيرة بين الدول الأعضاء في مجلس الأمن حيث عقد الامين العام للأمم المتحدة بان كي مون مساء امس بتوقيت بيروت، اجتماعاً مع الأعضاء الدائمين فيه. وبعدما وزعت مسوّدة القرار الذي أعدته الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، كلف الرئيس فؤاد السنيورة وزير الخارجية بالوكالة طارق متري ترؤس وفد الى نيويورك يضمّه ومستشار السنيورة، محمد شطح، الذي غادر بيروت امس برفقة القاضيين رالف رياشي وشكري صادر.
وبينما تحدثت مصادر عن تأخير في إقرار المشروع إلى نهاية الشهر الجاري، علمت «الأخبار» أن مشكلة تعامل الأمانة العامة للأمم المتحدة مع الرسائل الموجهة من الرئيس إميل لحود مستمرة، إذ تبيّن أن ممثل الأمين العام في لبنان غير بيدرسون قد تقصّد تأخير إيصال الرسالة الى مكتب بان كي مون. وعلم أن رسالة لحود وصلت مجلس الأمن مساء الخميس، أي بعد ثلاثة أيام من تاريخ إرسالها. وقد أكد ذلك أمس رئيس المجلس المندوب الأميركي زلماي خليل زاد الذي قال إنه لم يرها، مضيفاً «علمت بها لكنني لم أرها».
وهذه ليست المرة الأولى التي يتجاهل فيها مكتب الأمين العام رسالة الرئيس لحود؛ ففي شباط الماضي، تأخر وصولها أياماً بحجة الترجمة على نار هادئة. لكن الأكيد هو أن إيصال الرسالة إلى الأمين العام تأخر يوماً أو أكثر بسبب تقصير بيدرسون، الذي نقل في 14 من الشهر الجاري رسالة السنيورة إلى مكتب الأمين العام من خلال برقية. وتم توزيع رسالة السنيورة فوراً على أعضاء مجلس الأمن، بينما لم تصل رسالة لحود إلى نيويورك إلا بعد يومين ووزعت بعد ثلاثة أيام على تاريخ تسلمها من قبل بيدرسون.
وكان لحود قد حذر في رسالته من عواقب قرار في مجلس الأمن. لكن الرسالة أبصرت النور في الصحافة اللبنانية وفي وكالات الأنباء العالمية في 15 أيار، قبل أن يعلم بها الأمين العام. وفي الإحاطة اليومية للمتحدثة باسم بان في 15 أيار الجاري، سألت «الأخبار» عن رسالة لحود، فكان الجواب من ميشال مونتاس «لم تصلنا بعد».
وعندما سئل بان كي مون في 15 أيار، بعد اجتماعه مع أعضاء مجلس الأمن الدولي، إن كان قرأ رسالة لحود أو اطلع عليها، قال «لا»، بينما طلب من المجلس توزيع رسالة السنيورة عليهم.
وفي المعلومات أيضاً أن بيدرسون بعث رسالة لحود إلى الأمانة العامة برقياً في 15 أيار. إلا أن المتحدثة باسم بان كي مون أكدت لـ«الأخبار» أمس أن الرسالة نقلت إلى سكرتاريا المجلس للتوزيع في 16 أيار عند الساعة 5:45 مساءً (أي بعد انتهاء الدوام) وفيها يدعو الرئيس لحود إلى توزيعها على المجلس.
وعلمت «الأخبار» أن بان كي مون كان منزعجاً للغاية من تأخير الرسالة في أحد مكاتبه مدة يومين قبل توزيعها. لكن القرار كان قد اتخذ. فلقد أقر باستنفاد جميع السبل، ونقل موضوع المحكمة إلى عهدة مجلس الأمن الدولي.
وبهذا لم تصل الرسالة إلى أعضاء المجلس فعلياً إلا الخميس في 17 أيار. وبقى أعضاء المجلس غافلين عنها حتى مساء الخميس عندما صدرت مسوّدة قرار إنشاء المحكمة بعد اجتماع متأخر للدول الخمس الدائمة العضوية خارج المنظمة الدولية. بل إن المندوب الأميركي، وهو رئيس مجلس الأمن هذا الشهر، ظل ينفي قراءته للرسالة، رغم تأكيده علمه بها للمرة الأولى ظهر أمس.
إضافة إلى ذلك، قالت المتحدثة الثانية باسم بان كي مون، ماري أوكابي، إن الأمانة العامة بعثت بالرسالة إلى مجلس الأمن في 16 أيار، وستصبح وثيقة رسمية في الأسبوع المقبل تحت الرقم أس 286 لعام 2007.
وقد بدا الأمر مزعجاً أيضاً بالنسبة إلى كثير من الدول الأعضاء التي تشعر بأنها تُدفع دفعاً نحو قرار متعجل بإقرار المحكمة التي لم تتفق بشأنها الأطراف اللبنانية. وأعربت عن قلقها من تحذير الرئيس لحود من مغبة إقرار المحكمة من دون مراعاة وضع لبنان في ظل الوضع الحالي وإشارته الى أن الحكومة الحالية ليست شرعية.
وقد بذلت رئيسة البعثة اللبنانية لدى الأمم المتحدة كارولين زيادة، جهوداً لإقناع سفراء في مجلس الأمن الدولي بالتصويت الإيجابي على القرار. وأمضت أكثر من ساعة في إقناع السفير الاندونيسي. وعندما فشلت، طلبت الى السنيورة القيام بما يلزم من جانبه.
في هذا الوقت، اتخذت المشاورات في مجلس الأمن طابعاً ثنائياً، ولم تحصل أي مناقشات رسمية في نهاية الأسبوع. لكن الأعضاء الدائمين يدرسونه في جلسات خاصة، غير رسمية، من أجل التوصل إلى صيغة مقبولة من جميع الأطراف. وفي هذا الإطار، أعرب المندوب الفرنسي جان مارك ديلا سابليير عن أمله إقرار المشروع «خلال هذا الشهر».
ويدعو مشروع قرار الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا إلى إقرار مشروع المحكمة الخاصة باغتيال الحريري، بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، فور تمريره في مجلس الأمن. كذلك تحدثت مسوّدة القرار عن إخفاق جميع الجهود السابقة لإقرار المحكمة الخاصة ضمن المؤسسات الدستورية اللبنانية، وعن موافقة جميع الأطراف اللبنانية على المحكمة من حيث المبدأ (نص المسوّدة ص 3).
ورأى المندوب الفرنسي أن موافقة سبعين نائباً يمثلون الأغلبية في البرلمان «كافية للتصديق على المحكمة ولا سيما أن الحكومة اللبنانية ترغب في ذلك».
وقالت دبلوماسية بريطانية إن لبنان «يواجه موقفاً غير عادي. ونحن ننظر في كل حالة على حدة». وأضافت أن ما يقوم به مجلس الأمن هو «تنفيذ قرار سابق لمجلس الأمن قضى بإنشاء المحكمة وفقاً للفصل السابع، وذلك بعدما قرر طرف ما في لبنان تعطيل إنشاء المحكمة وفقاً للإجراءات الدستورية الداخلية». ونفت أن يكون إمرار قرار إنشاء المحكمة سيؤدي إلى تدهور الأوضاع في لبنان «بل على العكس. إن عدم إنشاء المحكمة هو الذي سيؤدّي إلى عدم استقرار أكبر».
وقال المندوب الروسي فيتالي تشوركين إن «روسيا تفكر في موضوع المحكمة، لدينا تطوّر جديد، نأمل أن يجتمع البرلمان ويحل الموضوع داخلياً». وأضاف «إنه يثير عدداً من القضايا القانونية الصعبة التي علينا أن نحللها بدقة. وهذا ما نقوم به الآن. وأعتقد ان المتبنّين الثلاثة للقرار يدركون أن القضايا القانونية معقدة جداً، ولذلك لا يتوقعْ منا أحد أن نبصم على القرار قبل أن ندرسه، أهم شيء أننا نؤمن بأن الوقت لا يزال متاحاً لكي يحل داخلياً في بيروت».
أما زلماي خليل زاد فقد توقع تقديم مشروع القرار رسمياً إلى مجلس الأمن الأسبوع المقبل. وبهذا يكون القرار مجرد مسوّدة حتى الآن، أي إنه لا يعدو مجرد مادة نقاش.
ولوحظ في هذا الخصوص أن مجلس الأمن أرجأ مناقشة تقرير عن تنفيذ القرار 1559 حتى إشعار آخر، رغم أنه متأخر منذ أكثر من شهر. وعزا مطلعون الأمر إلى إلحاح حكومتي باريس وواشنطن على التعجيل في موضوع المحكمة. لكن أجواء مجلس الأمن توحي بأن التوصل إلى صيغة تحظى بإجماع المجلس لا تلوح في الأفق حتى الآن.
مجلس الوزراء
إلى ذلك، يعقد مجلس الوزراء جلسة له بعد ظهر الاثنين المقبل وعلى جدول أعمالها 208 بنود، بعدما أضيف إليها ملحق تضمن 25 بنداً، أبرزها ما يتصل بسفر متري الى نيويورك. وقد أعلن متري أنه سيغادر بعد جلسة مجلس الوزراء وأنه استأخر هذا السفر من اجل تأمين نصاب جلسة الحكومة.