طهران | انتهت جولة الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، على ثلاث دول في أميركا اللاتينية، هي فنزويلا ونيكاراغوا وكوبا، والتي يمكن اعتبارها مؤشراً إلى مساعي طهران لمزيد من الحضور في «الحديقة الخلفية لأميركا»، وترسيخ العلاقات مع البلدان التي تخضع للعقوبات الأميركية. ورافق الرئيس الإيراني في جولته التي اختتمها مساء الخميس، كلّ من وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، ووزير الدفاع وإسناد القوات المسلحة أمير أشتياني، ووزير النفط جواد أوجي، ووزير الصحة والعلاج بهرام عين اللهي؛ وفيها تمّ التوقيع على ما مجموعه 28 وثيقة تعاون في مختلف المجالات، بين إيران والدول الثلاث التي زارها رئيسي.شكّلت فنزويلا، الحليف الأوثق لإيران في أميركا اللاتينية، أولى محطّات جولة رئيسي، حيث وقّع الجانبان 19 وثيقة تعاون تركّزت بشكل رئيس على الاقتصاد والتجارة والتكنولوجيا والعلوم، فيما تقرَّر، وفق ما أعلن الرئيس الإيراني في أعقاب لقائه نظيره الفنزويلي نيكولاس مادورو، رفْع قيمة التبادل التجاري بين بلديهما من 3 مليارات دولار سنويّاً، إلى 20 ملياراً. وكان البلدان وقّعا، أثناء زيارة مادورو لطهران العام الماضي، اتّفاقاً للتعاون الشامل مدّته 20 عاماً. وتأكيداً منه على العلاقات الوثيقة التي تجمعهما، وصف رئيسي فنزويلا بالبلد «الصديق»، وبأن العلاقات بينهما «استراتيجية»، مذكّراً بأن لهما «أعداء مشتركين». ومن جهته، قال مادورو إن إيران «إحدى القوى العلمية والتكنولوجية الصاعدة في العالم»، وإن بلاده «تمدّ يدها نحوها». ومن فنزويلا، انتقل رئيسي إلى نيكاراغوا، المحطّة الثانية في جولته، حيث التقى نظيره دانييل أورتيغا، وجرى التوقيع على ثلاث وثائق للتعاون بين البلدَين، تغطّي المجالات القضائية والاقتصادية والتجارية والتجهيزات والمستلزمات الطبية. وفي كوبا، المحطّة الثالثة والأخيرة، تمّ التوقيع على 6 وثائق تعاون في المجالات القضائية والتعاون السياسي الشامل والعلاقات الجمركية والتعاون في مجال تكنولوجيا المعلومات، بحضور رئيسي ونظيره الكوبي ميغيل دياز كانيل.
ولا مبالغة في القول إن الولايات المتحدة وعقوباتها، شكّلتا الدافع المشترك والمحفّز الأول لتقارب البلدان الأربعة، على أمل أن يحدّ التعاون في ما بينها من الأضرار التي تخلّفها العقوبات، ويزيد من قدرتها على الصمود في وجه الضغوط. ومن جهتها، لم تخفِ واشنطن استياءها من جولة رئيسي، إذ قال الناطق باسم الخارجية، ماثيو ميلر، ردّاً على سؤال عن موقف بلاده من جولة الرئيس الإيراني: «لقد أعلنّا صراحةً قلقنا من الأنشطة الإيرانية، وليس مستغرَباً أن تقيم الدول المذكورة علاقات دبلوماسية مع إيران»، فيما كان منسّق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي، جون کیربي، سبقه إلى القول إن «الولايات المتحدة لا تقول لدول أميركا اللاتينية مع مَن تتواصل»، مضيفاً: «(إنّنا) قلقون بطبيعة الحال من السلوك الإيراني المزعزع للاستقرار، وسنواصل اتّخاذ الإجراءات لمواجهة هذا السلوك». وتقرّ أوساط سياسية وتخصّصية أميركية، بتراجع نفوذ واشنطن في أميركا اللاتينية، في موازاة زيادة تحرّكات منافسيها في المنطقة. وفي هذا الإطار، تطرّقت صحيفة «وول ستريت جورنال» إلى الأحداث الدبلوماسية في الدول الجارة لأميركا، قائلةً إن «أخباراً غير سارّة تصل من أميركا اللاتينية إلى الولايات المتحدة، بيد أن ردّة فعل إدارة بايدن تجاهها منفعلة». وأشارت على وجه التحديد إلى الأنشطة المكثّفة للصين وروسيا وإيران في هذه المنطقة، معتبرةً إيّاها «عاملاً يمسّ بالأمن الأميركي». ومن جهته، رأى إيمانويل أوتولنغي، كبير محلّلي «مؤسّسة الدفاع عن الديموقراطية» (FDD)، أن الهدف من جولة الرئيس الإيراني على أميركا اللاتينية «يتمثّل في توثيق الاتحاد ضدّ الولايات المتحدة في منطقة أميركا اللاتينية، وتعزيز التوجّهات في مجال بناء عالم متعدّد الأقطاب». وتابع أن «دولاً مثل الصين وإيران وروسيا، في هيكلية النظام المتعدّد الأقطاب في العالم، تنمو في محاذاة إضعاف قوّة الولايات المتحدة»، لافتاً إلى أن طهران تَعتبر نفسها مع حلفائها في أميركا اللاتينية جزءاً من «جبهة المقاومة»، و«ينظّمون سياساتهم لمواجهة عقوبات الولايات المتحدة».
لا مبالغة في القول إن الولايات المتحدة وعقوباتها، شكّلتا الدافع المشترك والمحفّز الأول لتقارب البلدان الأربعة


وكان لجولة رئيسي على أميركا اللاتينية انعكاس وصدى واسعَان في الأوساط السياسية والإعلامية في إيران والبلدان التي زارها. وفي هذا المجال، قال هادي أعلمي فريمان، المختصّ في شؤون أميركا اللاتينية، في حوار مع وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية، إن العلاقات بين الجانبَين «هُمشت على مدى ثماني سنوات من حكومة حسن روحاني التي ركّزت على خطّة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي)»، مضيفاً: «الآن، وعلى خلفية العقوبات، فإن إيران والبلدان التي زارها الرئيس الإيراني في أميركا اللاتينية، تشترك في الرؤى، ما أسهم في تحقيق تقارب وتماثل في التوجّهات بيننا وبين هذه الدول». وبحسب وكالة «تسنيم» القريبة من «الحرس الثوري»، فإن «جولة رئيسي، والتي جاءت بعد زمن قصير من زيارة مادورو للسعودية وإحياء العلاقات بين الرياض وطهران، مؤشّر آخر إلى هزيمة المشروع الأميركي الرامي إلى عزل الدول التي تخضع للعقوبات. إن القدرة على بناء اتحادات استراتيجية ونيْل دعم الحلفاء في الميادين الدولية، تُعدّ جزءاً من رسائل جولة رئيسي على أميركا اللاتينية».
وانسحبت هذه الأجواء على الإعلام في الدول المضيفة، إذ وصف الموقع الإلكتروني الرسمي للحكومة الفنزويلية، إيران، بأنها «قوّة عظمى متحرّرة من التدخّلات الأجنبية»، وبأن «توقيع اتّفاقات بين طهران وكراكاس يمثّل ضربة موجعة للرأسمالية الإمبريالية، فضلاً عن كونه توقيعاً على وثيقة صداقة لا تزول». كذلك، تناول موقع «کوبا دیبایت» (Cubadebate) زيارة الرئيس رئيسي لهافانا، واعتبرها «مؤشّراً إلى الحالة المميّزة للعلاقات السياسية - الدبلوماسية بين إيران وكوبا، وكذلك إرادة كلّ منهما لتحسين العلاقات الاقتصادية والتجارية». وجاء في تقرير بثّه الموقع الإلكتروني لقناة «تيلي سور» (telesurtv) التلفزيونية الفنزويلية، أن «العلاقات مع هذه المنطقة من العالم التي تسعى للخروج من دائرة نفوذ هيمنة الولايات المتحدة، تكون قد تثبّتت مع زيارة الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان. والمحور الرئيس لهذه الزيارة يتمثّل في تعزيز العلاقات السياسية مع كل من كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا التي تتّفق في الرؤى حول قضايا أساسية على الصعيد الدولي، من مثل دعم فلسطين وسوريا واليمن والعراق والامتناع عن الانخراط في سياسة العقوبات المفروضة على روسيا على خلفية الحرب الأوكرانية».