رام الله | في غضون ساعات قليلة فقط، مُنيت ثلاث عمليات عسكرية لجيش الاحتلال في الضفة الغربية بالفشل الذريع، إذ لم تُحقّق أيّ منها أهدافها، فيما استطاع المقاومون توجيه ضربات قوية إلى العدو خلالها. وبدا اقتحام مخيم نور شمس شرقي طولكرم، والذي انطلق فجر أمس، شبيهاً بالعدوان الأخير على مخيم جنين؛ إذ دفع جيش الاحتلال أثناءه بآلياته وجرافاته العسكرية الضخمة إلى أزقة المخيم (أكثر من 60 آلية عسكرية وجرافة ثقيلة)، وبدأ بتجريف الشوارع والأزقة خشية من العبوات الناسفة المزروعة في الأرض، ما تسبّب بتدمير شبكات الماء والكهرباء والاتصالات، لكن المقاومة كانت حاضرة بقوة في المقابل، واستطاعت إفشال هدف العدوان، وبرهنت على التطوّر الكبير في أدائها، وتحديداً في صناعة العبوات الناسفة. وخلّفت العملية إصابة أربعة مواطنين برصاص الاحتلال، وتسعة آخرين بالشظايا، فيما منع جنود العدو الطواقم الطبّية من التعامل مع الجرحى والوصول إليهم، كما اقتحموا منزل القيادي في حركة «حماس» في المخيم، فتحي القرعاوي، ونكّلوا بعائلته، واعتقلوا نجله الأسير المحرَّر مؤمن. وعلى رغم دفع جيش الاحتلال بقوات كبيرة إلى «نور شمس»، واستعانته بالوحدات الخاصة، إلّا أنه لم ينجح في تصفية المقاومين أو اعتقالهم، بل وتلقّى ضربات بعبوات ناسفة جديدة، ذات قوّة تفجيرية كبيرة. وفي هذا السياق، أعلنت «كتيبة طولكرم»، في بلاغ عسكري، أنها استخدمت، للمرّة الأولى، عبوة من نوع «سيف 1»، وهي المنسوب اسمها إلى الشهيد سيف أبو لبدة الذي ارتقى في اشتباك مسلّح بالقرب من مدينة جنين مع الشهيدَين خليل طوالبة وصائب عباهرة في الأول من رمضان من عام 2022. وكشفت الكتيبة بعضاً من تفاصيل العملية، مشيرةً إلى أن قوات الاحتلال أحكمت الحصار حول المخيم، لكن بـ«معية الله وتمكينه لجندنا، تمكّنا من التصدّي لقوات وآليات الاحتلال بصليات كثيفة ومتتالية من الرصاص والعبوات المتفجّرة على أكثر من محور، محقّقين الإصابات المباشرة في صفوف العدو»، مضيفةً أنه نُفّذت أيضاً عدد من الكمائن التي سيُكشف عنها لاحقاً. وتابعت أن «الاحتلال خرج وهو يجرّ أذيال الخيبة، من دون أن يحقق أيّاً من أهداف هذا العدوان الغادر سوى الدمار في الشوارع والبنية التحتية للمخيم وتخريب وتدمير المنازل بشكل مباشر ومتعمّد على رؤوس المدنيين».
وتناقل الإعلام العبري، بالفعل، مقاطع مصوّرة لتفجير العبوات الناسفة بآليات الاحتلال في «نور شمس»، وهو ما علّقت عليه «القناة الـ14» العبرية بأن «القوات الإسرائيلية عملت الليلة الماضية في مخيم نور شمس من أجل "إحباط عمليات إرهابية"، لكن المسلّحين في المخيم وضعوا العشرات من العبوات الناسفة في مسارات الاقتحام ومن تحت الأرض. خلال العملية، تمّ استخدام قوات الهندسة ومعدّات ثقيلة للكشف عن العبوات، تمّ على الأقل تحييد عشر عبوات ناسفة». وفي المقابل، احتفى سكان المخيم، الذين وثّقوا بالمقاطع المصوّرة الاشتباكات المسلّحة وتفجير العبوات الناسفة خلال الاقتحام الذي استمرّ لساعات، بالمقاومين، عقب انسحاب قوات الاحتلال من «نور شمس»، مؤكّدين التفافهم حول خيار المقاومة عل رغم الدمار الهائل الذي أحدثه جيش العدو. وعلى غرار ما قام به في مخيم جنين من تدمير لممتلكات المواطنين والبنية التحتية ومرافق الخدمات العامة، لمعاقبة الأهالي على احتضانهم المقاومة، خلّف الاحتلال في «نور شمس» خراباً ودماراً كبيرَين - حيث قُدرّت الخسائر بملايين الدولارات -، في محاولة منه لكسر إرادة المخيم، وتأليب الجمهور ضد المقاومين.
تتصاعد الدعوات إلى الرباط في المسجد الأقصى يوم الخميس المقبل


وبالتزامن مع ذلك، شنّت قوات الاحتلال عدواناً على مخيم عقبة جبر في مدينة أريحا، حيث احتلّ جنودها أسطح البنايات العالية ونشروا عليها قناصتهم، وأطلقوا طائرة مسيّرة في محيط المنطقة، وطالبوا شابّاً بتسليم نفسه، في وقت تصدّت فيه مجموعات المقاومة لجنود العدو خلال محاصرتهم أحد المنازل. وانجلى غبار المعركة عن فشل الاحتلال في تحقيق هدفه من العملية، بينما أكدت «كتيبة أريحا» أن مقاتليها استهدفوا جنود العدو بعمليات إطلاق نار في مختلف مناطق المخيم. وما إن انسحب جيش الاحتلال من طولكرم وأريحا، حتى اقتحمت قوات خاصة إسرائيلية مخيم عسكر القديم في مدينة نابلس، وحاصرت منزلاً هناك بغية اعتقال أو تصفية مقاوم، لتحظى بعدها بتعزيزات عسكرية إضافية. وفور تطويق المنزل، طالب جنود العدو أحد المقاومين بتسليم نفسه، إلا أن الأخير رفض الاستسلام ونجح في الانسحاب، على رغم أن الجنود أحضروا طفله وحوّلوه إلى درع بشري لإجباره على الاستسلام، بينما استهدف المقاومون قوات الاحتلال بصليات كثيفة من الرصاص والعبوات محلّية الصنع.
ويبدو، ممّا حصل أمس، أن «كتيبة طولكرم» أعلنت عن نفسها بقوة، على خُطى «كتيبة جنين»، فيما من المتوقّع أن تُحدث العبوات الناسفة التي استخدمتها حالة من الإرباك في صفوف قوات الاحتلال ومنظومته الأمنية، على غِرار ما فعلته العبوات في مخيم جنين. وعلى ضوء هذا المستجدّ، قد يكون العدوان على «نور شمس» مقدّمة لعملية واسعة على غرار ما حصل في جنين، على اعتبار أن النموذج الذي أسّسه المقاومون في الأخيرة انتقل بكلّ قوّة إلى طولكرم، وقد يصل إلى أماكن أخرى. وفي هذا الإطار، علّقت بعض وسائل الإعلام العبرية على أحداث «نور شمس» بالقول: «ليس فقط في مخيم جنين... لاحظوا كيفية تفجير عبوة قوية ضدّ مركبة هندسية للجيش الإسرائيلي، دخلت مخيم نور الشمس الليلة في طولكرم». على أن القلق الأمني الإسرائيلي لا يقتصر على مخيمات الضفة الغربية فقط، بل إن الاحتجاجات الداخلية الإسرائيلية انعكست بدورها مخاوف أمنية، خاصة في ظلّ سخونة الجبهة الشمالية لفلسطين المحتلة، والتنسيق الكبير بين قوى المقاومة. وفي السياق، نقل مراسل موقع «والا» العبري، أمير بوخبوط، عن مسؤول أمني قوله إن «حماس وحزب الله يعتقدان أنه من الممكن الآن زيادة العمليات ضدّ إسرائيل».
وبالتزامن مع هذا التصعيد في الضفة، تتّجه الأنظار، خلال اليومَين المقبلَين، إلى مدينة القدس المحتلة، والتي ستشهد يوم الأربعاء المقبل مسيرة للأعلام الصهيونية، تحشد لها «منظّمات الهيكل» المزعوم ومنظّمات اليمين الاستيطانية. ومن المقرّر أن تنطلق المسيرة في تمام الساعة 9:45 ليلاً، وسط دعوات مقدسية إلى التصدّي لاقتحامات المستوطنين، خاصة أنها تستهدف أبواب المسجد الأقصى، الجديد والزاهرة والعمود والأسباط، لتنتهي بالدخول إلى البلدة القديمة من باب المغاربة ثمّ إلى ساحة البراق. كذلك، تتصاعد الدعوات إلى الرباط في المسجد الأقصى يوم الخميس المقبل، لصدّ اقتحامات جماعات المستوطنين في ما يسمّى «ذكرى خراب الهيكل»، وهي مناسبة من شأنها أن تُحوّل القدس إلى ثكنة عسكرية، مع ما يرافق هذه الإجراءات عادةً من تصاعد في الاعتداءات على المقدسيين.