رام الله | تعيش الضفة الغربية المحتلّة تصعيداً إسرائيلياً كبيراً، في ضوء النشوة التي تستشعرها حكومة اليمين المتطرّف عقب نجاحها في تمرير جزء من سلسلة القوانين الهادفة إلى السيطرة على القضاء. وتَمثّل هذا التصعيد، الذي من المتوقّع أن ترتفع وتيرته في الأيام المقبلة، في تكثيف الاقتحامات للمدن والبلدات والمخيمات، والاعتقالات التي طالت ليل الثلاثاء - الأربعاء أكثر من 40 مواطناً. وتُضاف إلى ذلك، عمليات الاغتيال والإعدام على غرار ما جرى في مخيم العين ظهر الأربعاء، حين حاصرت قوات الاحتلال أحد المقاومين وقتلت الشاب محمد أبو الندى، إلى جانب تعاظم هجمات المستوطنين ضدّ التجمّعات الفلسطينية، واستمرار المشاريع التهويدية في القدس واقتحامات المسجد الأقصى. وفي المقابل، تتواصل هجمات المقاومة في الضفة، بما فيها الاشتباكات المسلّحة التي باتت نمطاً ثابتاً في التصدّي لقوات الاحتلال في مختلف البلدات والمخيمات. وشهد ليل الثلاثاء - الأربعاء اشتباكات مسلّحة في بلدة برقين قرب مخيم جنين، فيما تعرّضت قوة لجيش الاحتلال لإطلاق نار قرب حاجز الجلمة في جنين. كما تعرضّت مدرسة دينية في مستوطنة «حومش»، جنوبي جنين، لعملية إطلاق نار من قِبَل مقاومين، فيما شهدت بلدة برقة، الواقعة بين جنين ونابلس، مواجهات عنيفة أسفرت عن إحراق مركبة عسكرية بزجاجة حارقة، توازياً مع تسجيل اشتباكات في طمون في محافظة طوباس وبيت أمر شمال الخليل، وغيرهما.على أن المفارقة هي أن جنين لا تزال تتصدّر اهتمامات المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، على إثر الفشل الذي منيَ به جيش الاحتلال في عدوانه الأخير على المخيم. وفيما لا قدرة لدى العدو على انتظار ما يمكن أن تقوم به السلطة من إجراءات على الأرض للسيطرة على حالة المقاومة هناك، عاد إلى الواجهة التلويح بشنّ عملية جديدة ضدّ المخيم، باعتبارها أمراً لا مفر منه. وفي السياق، سرّبت مصادر في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، أمس، إلى الإعلام، أن العملية التي تبدو تحصيل حاصل لن تكون على نطاق واسع كما جرى في العملية الأخيرة قبل أكثر من 20 يوماً، بل ستكون لعدّة ساعات قليلة بهدف إحباط البنية التحتية للخلايا المسلّحة. والظاهر أن ما يحفّز ذلك إقرار المؤسّسة الأمنية الإسرائيلية بأن خلايا المقاومة في المخيم بدأت بترميم قدراتها، وإنتاج عبوات ناسفة قوية وزرعها، إلى جانب جمع ذخائر جديدة. كما أنه على رغم محاولات السلطة السيطرة على الوضع في جنين ومخيمها، إلّا أنه لا يمكن لجيش الاحتلال أن يعتمد عليها كلياً في القضايا الأمنية، بحسب صحيفة «يديعوت أحرونوت»، التي نقلت عن مسؤولين أمنيين قولهم إن هنالك «محاولة لعدم إلحاق ضرر بمحاولات السلطة الفلسطينية بسط سيطرتها هناك، وهذا أمر يمثّل مصلحة إسرائيلية»، وبالتالي «لا يمكن إحباط الإرهاب بعملية واحدة، يجب دخول مخيم جنين للقيام بعمليات من حين إلى آخر، وإحباط محاولات تأسيس بنى جديدة». كذلك، نقلت عنهم أن أيّ عملية جديدة ستكون «بعملية قصيرة المدى مثلما حصل في مخيم نور شمس منذ أيام».
لا تزال جنين تتصدّر اهتمامات المؤسسة الأمنية الإسرائيلية على إثر فشل العدوان الأخير


وتركّز التصعيد الإسرائيلي، خلال الأسبوع المنصرم، في مدينة نابلس، التي شهدت ارتقاء 6 شبان، كان آخرهم الشهيد محمد ندى في مخيم العين، أثناء التصدّي لاقتحام قوات الاحتلال للمخيم، بعد نحو 24 ساعة من ارتقاء 3 شبان من «كتائب القسام»، التي أوضحت أن هؤلاء «كانوا في طريقهم إلى تنفيذ عملية ضد الاحتلال». وأتى ذلك أيضاً بعد ساعات فقط من عملية إطلاق نار على حافلة مستوطنين في بلدة حوارة، وصفها الإعلام العبري بـ«العجيبة»، نظراً إلى عدم وقوع إصابات في صفوف المستوطنين بسبب تحصين الحافلة. وعلى إثر هذه الحادثة، حضّ رئيس «مجلس السامرة»، يوسي داغان، الجيش والحكومة، على الردّ «بقبضة من حديد»، معتبراً أنه «كان من الممكن أن ينتهي الهجوم بوقوع عدّة ضحايا»، مطالباً بـ«فرض حظر تجوّل وإعادة الحواجز وشنّ عملية عسكرية حازمة». ولم يكتفِ داغان باتهام المقاومين بـ«الإرهاب»، بل طاول تحريضه السلطة الفلسطينية أيضاً، بقوله: «يجب القضاء على إرهاب السلطة الفلسطينية. الاستيطان في السامرة سيستمرّ في الازدهار، سنبني أكثر وأكثر ونطالب حكومتنا بالأمن أكثر، نحتاج إلى إعادة الردع ولن نتنازل للحكومة حتى تحقّق ذلك».
ويأتي هذا في ذروة انفلات عقال المستوطنين في الضفة، حيث شهدت الخليل حادثة نادرة قد تُؤسّس لمرحلة جديدة يشارك فيها مستوطنون مدجّجون بالسلاح جنود الاحتلال في اقتحام المدن والبلدات ومنازل الفلسطينيين. إذ اقتحم مستوطنون، كان بحوزة أحدهم بندقية، صباح أول من أمس، منازل المواطنين الفلسطينيين في قريتَي طوبا وبلدة العبيد في جنوب جبل الخليل، وحطّموا دولاب ملابس وسرقوا معدات بناء، بحماية من قوات الاحتلال. وخلال ذلك، اتّصل نشطاء إسرائيليون بالشرطة ثلاث مرّات على الأقل، لكنها لم تصل إلى المكان، فيما تمّ توثيق الاعتداءات بعدّة مقاطع فيديو. وفي أحد هذه الاعتداءات في قرية طوبا، شوهد المستوطنون وهم يأمرون امرأة فلسطينية بفتح خزانة في منزلها. وفي مقطع فيديو آخر، من البلدة نفسها، تمّ تصوير مستوطنين وهم يفتشون الخزائن برفقة جندي يصوّر ما يجري. وفي بلدة العبيد، سُجل دخول مستوطن إلى منزل أهل القرية بينما كان جندي يقف عند المدخل.
بالتوازي، وبعدما شهدت مدينة القدس المحتلّة مسيرة للمستوطنين، التي دعت إليها «جماعات الهيكل» المزعوم وعدد من منظّمات اليمين الاستيطانية، وشارك فيها وزراء وأعضاء «كنيست»، تحشد الجماعات نفسها لاقتحام واسع للمسجد صباح اليوم في ذكرى «خراب الهيكل»، وذلك في إطار تكثيف المستوطنين استفزازاتهم للمقدسيين، ومحاولتهم ترسيخ هذه المسيرات كعامل تحفيز على اقتحام الأحياء العربية وأزقّة البلدة القديمة، وتثبيت تدفّق بشري يهودي دائم في المدينة، بما يولّد ضغطاً كبيراً على أهلها. ومن المتوقّع أن يشهد الحرم القدسي يوماً شديداً وعصيباً نظراً إلى عدد المستوطنين الكبير الذين ينوون اقتحام المسجد، وسط انتشار أمني كبير سترافقه حتماً انتهاكات واعتداءات على المرابطين ومرافق المسجد.