يبدو أن الرياض قطعت الطريق على أبو ظبي في اليمن، وثبّتت التوليفة القائمة على المحاصصة بينها وبين الإمارات، في «مجلس القيادة الرئاسي» والحكومة، بعد أن قدّمت مساعدة عاجلة للحكومة بقيمة 1.2 مليار، كميزانية تشغيلة لسد العجز. واستخدمت أبو ظبي، منذ أشهر، ورقة الخدمات والعجز في الميزانية، فضلاً عن الانهيار في العملة اليمنية المُعتمدة في المحافظات اليمنية الجنوبية، لتأجيج الوضع ضد حكومة معين عبد الملك في عدن، ودفعت بالمكوّنات المحسوبة عليها إلى المطالبة بإسقاط الحكومة، تحت شعار الفشل والفساد والعجز. غير أن الهدف بالنسبة لأبو ظبي لا يتّصل بتلك الشعارات، ولكن بمخطّط تهدف من خلاله إلى نسف التركيبة الراهنة، وإلغاء الشراكة بينها وبين الرياض في «الرئاسي» والحكومة، وإسقاط ما تبقّى تحت سيطرة السعودية من مناطق في محافظتي حضرموت والمهرة، وتشكيل عهد جديد تكون الكلمة الأولى فيه لها وحدها من غير الشراكة مع الرياض.من أجل ذلك، دفعت الإمارات برئيس «المجلس الانتقالي الجنوبي»، عيدروس الزبيدي، إلى عدن، ليعقد اجتماعات متفرّقة مع قيادة المنطقة العسكرية الرابعة، وقيادة القوات البرية، وقادة المحاور والألوية والوحدات العسكرية وقيادة "الحزام الأمني"، ومديري الأمن وقادة الوحدات الأمنية، بالتزامن مع تفعيل الخطاب السياسي والإعلامي المطالب بإسقاط «حكومة معين»، وتشكيل حكومة إنقاذ جنوبية، وهي مطالب لم تقتصر على الوسطين السياسي والإعلامي، ولكن تكرّرت أيضاً بشكل رسمي، على لسان الزبيدي نفسه، إضافة إلى قائد «ألوية العمالقة» وعضو «المجلس الرئاسي»، أبو زرعة المحرمي المحسوب على الإمارات.
تلك الإرهاصات، جاءت بمثابة مقدّمات فقط، قبيل اتّخاذ القرار النهائي، بحسب المخطّط المرسوم من الإمارات، بتحريك الشارع، ثم إعلان الحكومة الجديدة. غير أن الرياض من جانبها، لم تكن بعيدة عمّا يحدث؛ ففي الوقت الذي كانت فيه تحصّن فيه جبهاتها في حضرموت، وتحشد سياسياً وقبليّاً، وحتى عسكريّاً لمواجهة مساعي أبو ظبي للسيطرة على وادي حضرموت، لم تترك الحكومة المُوالية لها في عدن في منتصف الطريق، خصوصاً وأن تلك الحكومة فعلياً غارقة في أزمة عجز مالي، ولم تتمكّن من دفع الاستحقاقات المنتظمة المتعلّقة بوقود الكهرباء، والنفقات التشغيلية، في ظل غضب شعبي متصاعد يطالب بإسقاطها. لهذا، تتفهّم السعودية الظرف الصعب، ومحاولات أبو ظبي الاستثمار في هذا الظرف، وتعرف أن سقوط الحكومة، يعني سقوط حضرموت، وإخراج المملكة من المشهد السياسي والعسكري لصالح الإمارات. لذا، سارعت إلى إنقاذ الحكومة وتثبيت التوليفة القائمة حتى ولو لأشهر عدّة مقبلة فقط، خصوصاً أن بقاء هذه التوليفة يرتبط أيضاً بملف المفاوضات مع صنعاء، وتحتاجه الرياض سواء فشلت المفاوضات واندلعت الحرب، أو تم الاتفاق لتمديد الهدنة والشروع في تنفيذ بعض ملفات السلام.
لكن السؤال برأي متابعين، هو هل ما قدّمته الرياض من دعم، تم باتّفاق سياسي غير معلن مع أبو ظبي، خصوصاً أن تجربة التحالف في تقديم المنح والودائع، لا يُعلن عنها إلا بعد اتفاقات وتفاهمات بين السعودية والإمارات، يتمخّض عنها مسار جديد للمشهد في اليمن، أم أن المنحة تمت من دون اتفاق، خصوصاً أنها جاءت كمنحة لا كوديعة، ولم تمر عبر «مؤسسة النقد العربي» السعودي (البنك المركزي)، ووُضعت تحت إشراف "برنامج إعادة الإعمار" السعودي، الأمر الذي يكشف عن مخاوف الرياض على مستقبل الحكومة، على اعتبار أن فرضية تشكيل حكومة موالية لأبو ظبي، يجعل من كل الدعم السعودي المقدم في قبضة تلك الحكومة.
أيّاً تكن الظروف التي تمخّض عنها تقديم المنحة، يظلّ الدعم المقدم مؤقتاً، ولا يشي بأن الرياض عقدت العزم على تحقيق استقرار اقتصادي، خصوصاً أن دعم الاقتصاد يبدأ أوّلاً بمعالجة جذر المشكلة، والمتعلّقة بتغيير سياسيات "التحالف" في ما يتصّل بإدارته للملف الاقتصادي، سواء في اليمن بشكل عام، أو في المناطق الواقعة تحت سيطرته والتي لم تتمكّن فيها الحكومة الموالية له من إدارة الموانئ والمؤسسات الإيرادية، فيما لم يُسمح للبنك المركزي بأن يتحوّل إلى وعاء جامع للإيرادات التي تُودَع في "البنك الأهلي السعودي" بدلاً من البنك المركزي في عدن. ليس هذا فحسب، بل إن التحالف أسّس لمبدأ تقاسم الثروات والإيرادات بين المكوّنات التابعة له، وأوجد غطاءً للفساد الذي يُمارَس بشكل ممنهج في أعلى هرم السلطة. إضافة إلى كل ذلك، لم يُقدَّم دعم حقيقي يحلّ المشكلة الاقتصادية، قدّره "البنك الدولي" بـ16 مليار، فقط للعام الجاري، بينما كل الدعم المقدم من السعودية لم يتحوّل إلى دعم يعالج الأزمة الاقتصادية والنقدية، ويمكن تصنيفه بأنه يندرج في إطار المساعدات الضرورية التي تؤجل الانهيار فقط، ويوظَّف في إطار الصراع بين الرياض وأبو ظبي، لتوطيد الحلفاء على الأرض.