عنوان ذو فرادة تصوغه الفنانة والكاتبة الاسكتلندية إيمي تودمان لمعرضها في غاليري «أجيال» حتى الثاني من أيلول (سبتمبر) المقبل. «وعطر الأزهار هو كلّ ما لا أفصح عنه» عنوان جميل ومعبّر لمئتي رسمة صغيرة الحجم وأحادية اللون لكلّ منها، تراوح بين أخضر ترابيّ، وأزرق بلون المحيط، ورماديّ بارد أو ورديّ حالم... هي بعض الألوان التي تغطّي المساحات الصغيرة حول نوافذ أو فتحات، حيث تلفت النقوش المنمنمة لتوحي بحلم، أو ليتحوّل كوب من الماء إلى بقعة، أو الثمرة إلى لدغة... أشياء غريبة «تلطّخ» قماشة اللوحة، فالجمال بالنسبة إلى تودمان مرتبط بالإيماءة، بالوجود، بالحدس، بالذاكرة، وبأحاسيس أخرى كثيرة. الطلاء لديها طبقات، أو يشفّ بالأزرق عند الضرورة. كأنّما الأشباح تُسيّر اللوحة في اتجاهات أخرى، نحو ألوان باهتة، ومتّسخة. لوحات تودمان من لقطات ذهنيّة خاطفة، تسعى من خلالها إلى القبض على الزمن، لو أمكنها ذلك، وعقد الصلة بين الأشياء المتوافرة في الحياة الواقعية. لمسة خفيفة بأسلوب «بدائيّ». والضوء غير مألوف في تكويناتها، والأسطح مطليّة بيد خفيفة وبسلسلة دقيقة من العمليات: طلاء، طبقات، اسكتش سريع، ثم إعادة طلاء. الهدف هو خلق أبعاد وخلفيات وصور من الماضي، أي من الذاكرة. مع ذلك، تعرّض نفسها للوقوع في التكرار والوهن، وخصوصاً أنّها تتوسّل الأكريليك الذي يشجّع على التلقائية والبساطة.
تودمان شديدة التأثّر بأسلوب وليم سكوت وبن نيكلسون وألْفرد موريس. لوحتها تخضع لمزاجها فكرةً ولوناً وتكويناً. صحيح أنّ لوحاتها الصغيرة تُشعرنا بالراحة والهدوء، إلّا أنّ تفكيك «شيفراتها» يحتاج إلى كثير من الوقت والجهد والتأمّل في مفردات اللوحة و«طقوسها». كلّ لوحة تبدو متوجهة إلينا: «انتبه، ثمة شيء حسّاس هنا من أجلك». كأنّها لوحة/ مانيفستو، أو لوحة حواريّة، تحادثنا بدلاً من أن تدعنا نتمعّن فيها ونمعن النظر في عناصرها ومفرداتها ومعانيها. هذا الإصرار من الفنانة قد لا يكون مريحاً، إلاّ أنّه يدلّ رغم ذلك على اهتمام جدّي بالتفاعل بين الشكل والمضمون، فهذا الأمر يمدّ اللوحة، على صعوبتها، بعمر أطول، إذ لا تطبعها السهولة.
لمسة خفيفة بأسلوب «بدائيّ» والضوء غير مألوف في تكويناتها


إيمي تودمان مقيمة حالياً في لبنان، ربما لاستقاء أفكار غير معهودة بالنسبة إليها من يومياته وخصائصه ونبض الحياة فيه رغم كل صعابه وأزماته. لعلّها عثرت عندنا على ما يلهم أعمالها الجديدة، فهي لا تملك حساسية الرسّامة فحسب، بل أيضاً حساسية الكاتبة، ما قد يبرّر تعميق الموضوع في لوحاتها.

* «وعطر الأزهار هو كلّ ما لا أفصح عنه»: حتى الثاني من أيلول (سبتمبر) ـــ «غاليري أجيال» (الحمرا) ـ للاستعلام: 01/345213