بغداد | خلال الأسبوع الماضي، ضاعفت القوات الأميركية تعزيزاتها العسكرية، والتي تضم آليات ثقيلة وخفيفة وجنوداً على الحدود العراقية - السورية، في اتجاه مدينة القائم غربي العراق. كما أجرت قوات "التحالف الدولي" بقيادة واشنطن، تدريبات عسكرية شاركت فيها الطائرات الحربية، في قاعدة «كونوكو» في ريف دير الزور الشمالي، حسبما نقلت مواقع سورية. وكان قائد عملية «العزم الصلب» في قيادة قوة المهام المشتركة في العراق وسوريا، الجنرال الأميركي ماثيو ماكفرلين، قد تحدّث، الخميس الماضي، عن مراقبة "التحالف" لتهديدات تقودها جماعات في العراق على منصات التواصل الاجتماعي، تشير إلى استهداف قواعد البعثة العسكرية الدولية.وأتى هذا بينما نقلت منصات إعلامية سورية، عن تقارير صحافية، أنباء عن نية القوات الأميركية الموجودة في قاعدة «عين الأسد» في محافظة الأنبار، غلق الشريط الحدودي مع سوريا. كما تداولت منصات رقمية في العراق أخيراً، أنباء ومقاطع فيديو تظهر تحركات عسكرية أميركية على الحدود مع سوريا، لكن لم يتم التحقّق من صحتها، ولم يصدر موقف رسمي من السلطات العراقية إزاء ذلك. لكن المتحدث باسم البنتاغون نفى نشر قوافل عسكرية أميركية في العراق، معتبراً تلك مجرد مزاعم لا أساس لها.
وبالتزامن، نشر الجيش العراقي، السبت الماضي، مضادات جوية على أسطح البنايات الحكومية، في مناطق متفرقة من بغداد، ما أثار خوفاً وهلعاً لدى سكان العاصمة. وردّ المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة العراقية، اللواء تحسين الخفاجي، على الضجة التي أثارتها مواقع التواصل حول تلك الإجراءات وربطها إياها بزحف القوات الأميركية، بأن إجراءات المضادات الجوية اعتيادية وهدفها «حماية سماء العراق من أي اعتداء، أو خرق، أو تهديد أمني تتعرض له البلاد». ويتداول العراقيون باستمرار مقاطع فيديو قديمة عبر منصات إلكترونية، لمسؤولين وناشطين عراقيين مؤثرين ومنهم السياسي المعارض فائق الشيخ علي، وهم يزعمون نية "التحالف الدولي" تغيير النظام الحالي في بغداد خلال عام 2024.
ويفيد مسؤول أمني عراقي، ل «الأخبار»، مشترطاً عدم ذكر اسمه أن «تحركات القوات الأميركية الأخيرة، ليست جديدة، وإنما منذ شهر تموز الماضي تم إبلاغ الجانب العراقي بها، وذلك لحماية مصالح واشنطن وجنودها في البلاد، ولا سيما بعد عودة الهجمات ضد منشآتها التي تُتَّهم فصائل مسلحة باستهدافها بصواريخ وعبوات ناسفة». ويضيف أن «الأميركيين بدأوا يركّزون على المحافظات التي تتواجد فيها الفصائل، مثلاً في كركوك والأنبار، وتحديداً في قضاء القائم، وناحية جرف الصخر في شمال محافظة بابل وغيرها. ولهذا، بدأت التحركات العسكرية والطلعات الجوية لردع تلك المجاميع التي تهدّد المصالح الأميركية». ويحذر المسؤول الأمني من «أي نشاط يصدر من الفصائل المسلحة ضد القواعد والمصالح الأميركية، ولا سيما أن حكومة محمد شياع السوداني تسعى إلى التهدئة وتوطيد العلاقات مع واشنطن».
من جانبه، يرى النائب عن كتلة «الصادقون» النيابية، الجناح السياسي لحركة «عصائب أهل الحق»، حسن سالم، أن «قوات الاحتلال الأميركي لديها تحركات مشبوهة سواء في العراق أو داخل الأراضي السورية، وأهدافها باتت واضحة وتترجم حجم الانكسار الواضح لديها في المنطقة، وخاصة داخل بلادنا». ويدعو سالم، في حديث إلى «الأخبار»، السوداني إلى الوقوف على مجريات الأمور، متسائلاً: «لماذا تقوم قوات الاحتلال الأميركي بتعزيز قواتها العسكرية بالعتاد والذخيرة والآليات؟ هل هنالك مصيبة ستحدث في العراق أم ماذا؟». وينبّه قوات «الحشد الشعبي» والفصائل من غدر الاحتلال، واستهدافه قواطعها العسكرية، «وهذا ليس بالجديد، بل حصل ذلك في القائم وغيرها واستشهد على إثره خيرة مقاتلي الحشد الشعبي». ويضيف: «لا نستغرب أي فعل تقوم به أميركا، كونها الشيطان الأكبر والشر الأكبر على العراقيين». ولا يستبعد أن «يكون وراء الضجة والتحركات نشر أكثر من ألفي جندي أميركي جديد في قاعدة عين الأسد في محافظة الأنبار، فضلاً عن نقل آليات عسكرية وطائرات حربية جديدة». وأكثر من مرة، أكدت السلطات العراقية أنه ليست هناك قوات قتالية أميركية على أراضيها، وإنما وجودها يقتصر فقط على التدريب والاستشارة، بينما تشكّك فصائل المقاومة في تلك الرواية الرسمية، وتطالب بإخراج كل القوات الأجنبية.
مسؤول أمني: الأميركيون بدأوا يركّزون على المحافظات التي تتواجد فيها فصائل المقاومة


بدوره، يرى عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية، ياسر وتوت، أن «العراق يشهد استقراراً أمنياً في الوقت الحالي، وتحقّق هذا هو نتيجة سياسة الحكومة الحالية في علاقاتها الودية مع الجميع». ويؤكد لـ«الأخبار» أن «لجنته تتابع كل التحركات الأمنية في البلاد، وأن الحكومة تتعامل مع قوات التحالف لغرض الاستشارة وتدريب قواتنا الأمنية، وتبادل الخبرات العسكرية المتطورة». ويتابع وتوت أن «التحركات الأمنية في المنطقة عامة والعراق خاصّة، تجري باتفاق مع السلطات العراقية، وليست هناك مخاوف كما يُروَّج لها في مواقع التواصل الاجتماعي».
أما اللواء الركن المتقاعد، عماد علو، فيعتقد أن «التحركات العسكرية الأميركية وإعادة التموضع والانتشار في شرق البادية السورية، يأتي في إطار التنافس والتدافع على ثروات هذه المنطقة الاستراتيجية، بين القوى الكبرى، وخاصة بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا». ويضيف، في حديث إلى «الأخبار»، أن «الاحتكاكات المتكرّرة التي حدثت بين طيران روسيا وأميركا، لم تكن محض صدفة»، لافتاً إلى أن «هذا التموضع الجديد ونشر القوات من الجانب الأميركي هو لفرض رؤية معينة وإرادة معينة حول تقاسم الثروات والنفوذ». ويتابع أن «القوى السياسية العراقية تتّخذ هذه التحركات ذريعة لاستخدامها كورقة انتخابية، في إطار انتخابات مجالس المحافظات، وأيضاً لأغراض التدافع السياسي وافتعال أزمة لتوجيه أنظار الشارع إليها». ويعتقد أن «القوات الأميركية في سوريا لا تشكل خطراً على العراق، وأن ما يُطرح عن إعادة احتلال العراق مسألة غير منطقية، وأن الولايات المتحدة منشغلة بقضية مواجهة روسيا والصين على الساحة الأوكرانية». ويضيف أنه «ليس هناك مقاطعة بين الولايات المتحدة والحكومة العراقية. والدليل زيارة الوفد الأمني العراقي الأخيرة إلى واشنطن برئاسة وزير الدفاع وعضوية رئيس أركان الجيش ورئيس جهاز مكافحة الإرهاب. وهذه الزيارة هي مؤشر إيجابي وليس سلبياً ولا يدلّ على وجود أزمة حقيقية بين إدارتي بغداد وواشنطن».
وفي المقابل، وصف سفير إيران لدى العراق، محمد كاظم آل صادق، التحركات الأخيرة للأميركيين في المنطقة، بأنها «مُقلقة» و«مناهضة للسلام والاستقرار في المنطقة». وفي طهران، أكّد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية عباس موسوي، لوسائل إعلام إيرانية، أن التحركات العسكرية الأميركية في العراق، تأتي خلافاً للمطالب الرسمية المعلنة للحكومة العراقية، كما تتعارض مع موقف البرلمان والشعب العراقييْن، ومن هنا يمكن أن تجرّ المنطقة إلى التوتر وتسوقها إلى ظروف كارثية.