لندن | بعث وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، برسالة إلى نظيرَيه الهولندي والدنماركي، أخيراً، يؤكد فيها رسميّاً اعتزام الولايات المتحدة تسريع الموافقة على جميع الطلبات المقدّمة من «أطراف ثالثة»، لنقل مقاتلات «إف-16» إلى كييف. وكان الرئيس الأميركي، جو بايدن، أيّد، على هامش قمّة «مجموعة السبع» التي عُقدت في اليابان في أيار الماضي، إطلاق برامج تدريب طيارين أوكرانيين على قيادة الطائرات الأميركية المتطوّرة، قائلاً في حينه إنه «لن يقف في طريق الحلفاء الذين ينقلون الطائرات الأميركية الصنع إلى أوكرانيا».وسارع عدد من الدول الأعضاء في «الناتو» إلى إعلان الاستعداد للتبرّع بما لديهم من طائرات «إف-16» لأوكرانيا، لكن نقل ملكيّتها منوط دائماً بإذن من الحكومة الأميركية. وقالت الأخيرة إن التفاصيل في شأن عدد الطائرات من الجيل الرابع التي سيتمّ إرسالها، والجهات التي ستوفّرها، ستتبلور خلال الفترة القليلة المقبلة، في الوقت الذي أكّدت فيه 11 دولة غربية مشاركتها في تنظيم برامج تدريب للطيارين الأوكرانيين على قيادة تلك الطائرات، وعلى رأسها بريطانيا وهولندا. وأعلنت الدنمارك، الأحد، أنها سترسل 19 طائرة مقاتلة من طراز «إف-16» إلى أوكرانيا «عندما يتمّ استيفاء الشروط المطلوبة»، وذلك في بيان مشترك شمل هولندا، وصدر فيما كان الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، يجول في أوروبا. ووفق خبراء عسكريين، فإن الشروط الدنماركية تشمل، إلى إنجاز التدريب اللازم للطيارين الأوكرانيين على قيادة هذه الطائرة المعقّدة، أن تقوم الولايات المتحدة بتسليمها سرب طائرات «إف-35» الأكثر تطوّراً قبل التبرّع بطائراتها الـ«إف-16» إلى نظام كييف. وأملت رئيسة الوزراء الدنماركية، ميتي فريدريكسن، في تسليم أولى المقاتلات إلى أوكرانيا، بحلول العام الجديد: ست في البداية، وثمانٍ أخرى في عام 2024، والخمس المتبقّية في عام 2025. وقالت لزيلينسكي أمام الصحافيين: «يُرجى اعتبار هذا التبرّع رمزاً لدعم الدنمارك الثابت لكفاح بلدكم من أجل الحرية». وفيما لم يحدّد رئيس الوزراء الهولندي، مارك روته، في مؤتمر صحافي مع زيلينسكي، الأحد، عدد المقاتلات التي سترسلها بلاده إلى أوكرانيا، فهو لفت إلى أن سلاح الجو الهولندي يمتلك 42 طائرة من هذا الطراز، مشيراً إلى أن بعضها متقادم، وقد يحتاج إلى تحديث، «لكن من السابق لأوانه القول ما إذا كان سيتمّ التبرّع بها جميعاً». ومن جهته، وصف الرئيس الأوكراني تعهّدات الدنمارك وهولندا هذه، بأنها «تاريخية»، بينما واصل جولته على العديد من العواصم الأوروبية الأخرى، لحثّها على منْح الطائرات لقوات بلاده. وقال زيلينسكي، من العاصمة الدنماركية كوبنهاغن، إن «جميع جيران روسيا معرّضون للتهديد إذا لم تنتصر أوكرانيا». وفي خطاب ألقاه أمام البرلمان، يوم أمس، شكر زيلينسكي الدنمارك على دعمها العسكري المستمرّ لبلاده، محذّراً من أن «ديمقراطيات العالم جميعها قد تصبح هدفاً، إمّا للصواريخ، أو للمرتزقة، أو لمحاولات زعزعة الاستقرار إذا انتصرت روسيا في الحرب». وجال زيلينسكي في محطتَيه الدنماركية والهولندية على قواعد جوية، برفقة رئيسَي وزراء المملكتَين، حيث التُقطت له العديد من الصور إلى جانب طائرات «إف-16». وفي قاعدة هولندية في مدينة أيندهوفن الجنوبية، استقبلته رئيسة وزراء الدنمارك ووزير الخارجية ووزير الدفاع ووليّة العهد الأميرة ماري، في قاعدة «سكريدستروب» الجوية، جنوب البلاد.
المستفيد الأكبر من نقل طائرات «إف-16» إلى أوكرانيا هم الأميركيون

وكان زيلينسكي بدأ، السبت، جولة أوروبية من السويد، حيث يحاول الحصول على أسلحة لدعم هجوم مضادّ يشنّه الجيش الأوكراني منذ أسابيع، من دون أن يحقّق شيئاً يُذكر. واستقبل رئيس وزراء السويد، أولف كريسترسون، زيلينسكي، في منتجعه الريفي في هاربسوند، قائلاً إنه «لا توجد مهمّة أكثر أهميّة من دعم أوكرانيا في كفاحها من أجل الحرية وسلامة أراضيها. هذه أوكرانيا تقاتل من أجلنا. من أجل جميع الديمقراطيات الأوروبية»، مشيراً إلى أن بلاده قدّمت، حتى الآن، 2.2 مليار يورو ( 2.4 مليار دولار) كمساعدات عسكرية لكييف، بما في ذلك المركبات المدرّعة ودبابات «ليوبارد» (الألمانية الصنع)، وأنظمة مدفعية «آرتشر» ومعدات إزالة الألغام.
وتسعى أوكرانيا إلى الحصول على طائرات حربية من طراز «غريبن» التي تصنعها شركة «ساب» السويدية، لكن استوكهولم تمتنع إلى الآن، بحجّة أنها بحاجة إلى الطائرات للدفاع عن حدودها في ظلّ تصاعد التوتّرات مع روسيا. ومع ذلك، لم يغادر زيلينسكي دون مكاسب، إذ أعلن البلدان عن التوصل إلى اتفاق مبدئي يغطّي إنتاج وإصلاح وتدريب مركبة المشاة القتالية السويدية من طراز «سي في 90» على الأراضي الأوكرانية.
وتتمتّع طائرات «إف-16» التي تصنعها «لوكهيد مارتن» الأميركية بقدرات تدميرية، وإمكانات عالية على المناورة في الهجوم والدفاع على حدّ سواء، وتحمل نظام رادار متقدّماً يمكّنها من تحديد الأهداف من على بعد 370 كيلومتراً. ومع أن الأميركيين انتقلوا إلى جيل طائرات الـ«إف-35»، إلّا أن «إف-16» لا تزال في الخدمة على نطاق واسع لدى سلاح الجو الأميركي، وتشكّل درّة أسراب الدفاع الجوي لـ25 دولة، ولا سيما الكيان العبري، وتركيا، وبلجيكا. لكنّ تشغيل الـ«إف-16» يتطلّب تدريبات مطوّلة لا تقلّ عن 6 أشهر في أفضل الأحوال، إضافة إلى حاجتها إلى شبكة منسّقة من العمليات الأرضيّة وأنظمة التوجيه والرادار قد يستغرق تجهيزها عدة سنوات. وأقرّ مسؤولون أوكرانيون، الأسبوع الماضي، بأن أول الطائرات لن تصلهم قبل العام المقبل، وأن الأميركيين أصرّوا على أن تُستخدم عندئذ حصراً داخل المجال الجوي الأوكراني، وألّا تستهدف مواقع داخل روسيا.
وكان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، اعتبر، في أيار الماضي، أن دول الغرب «تلعب بالنار» من خلال الموافقة على تزويد أوكرانيا بطائرات مقاتلة من طراز «إف-16»، متّهماً الغرب بـ«تصعيد غير مقبول» للحرب بسبب دعمه العسكري المستمر لأوكرانيا. وحذّر نائب وزير الخارجية الروسي، ألكسندر جروشكو، من أن الدول الغربية ستواجه «مخاطر هائلة» إذا زُوّدت أوكرانيا بطائرات «إف-16»، بحسب ما نقلت وكالة «تاس» للأنباء. لكنّ ديمتري ميدفيديف، الرئيس السابق لروسيا، كان أكثر وضوحاً عندما قال: «أوكرانيا ستُدمَّر بالكامل ولن يتبقّى منها سوى الرماد، حتى لو استغرق الأمر سنوات أو حتى عقوداً، فَلْيكن، فليس أمامنا من خيار: إمّا أن ندمّر نظامهم السياسي المعادي، أو أن الغرب سيمزّق روسيا في نهاية المطاف».
ويقول محلّلون إن المستفيد الأكبر من نقل طائرات «إف-16» إلى أوكرانيا هم الأميركيون، إذ يبلغون روسيا رسالة مفادها بأن المراهنة على الحرب الطويلة في أوكرانيا لن تجدي نفعاً، بينما يقومون بتسليح حليفهم في كييف على حساب دافعي الضرائب الأوروبيين، ويتمّ استبدال الطائرات القديمة بطُرز أحدث من إنتاج الصناعات الأميركية، ما يجعل الوقت مثالياً للاستثمار في أسهم «لوكهيد مارتن».