وكان البرهان أكد، في خلال زيارته المصرية، أنه «لا نية لدينا (الجيش) للسيطرة على السلطة»، متعهّداً بـ«السعي لإقامة نظام ديموقراطي وإجراء انتخابات حرة نزيهة في السودان»، و«السعي لفترة انتقالية حقيقية». وإذ طالب بـ«نظرة موضوعية» إلى ما يحدُث في السودان، نفى ما يُروّج بشأن احتضان الجيش أي جماعات متطرفة، بالإشارة إلى «جماعة الإخوان المسلمين». ولم يغفل البرهان وصف قوات «الدعم السريع» بالمتمرّدة، قائلاً إن «الحرب في السودان كانت بسبب محاولة مجموعة السيطرة على السلطة».
وبدا أن البرهان توجّه إلى مصر لإعادة تقديم نفسه، إقليمياً، قائداً للسودان الموحّد، وزعيماً عسكرياً أجبرته الظروف على قيادة بلاده في هذه الظروف الاستثنائية، إذ حاول إظهار اضطراره للحرب وليس محاولته استمرارها، وسط حديثه عن إدراك الصعوبات التي تواجه شعبه وتحول أبنائه إلى لاجئين فارّين من ويلات الحرب. ورافق البرهان في زيارته وفدٌ سياسي ضمّ وزير الخارجية المكلف، علي الصادق، ومدير جهاز المخابرات العامة، أحمد إبراهيم مفضل، ومدير عام منظومة الصناعات الدفاعية، ميرغني إدريس سليمان. وجاءت خطوة البرهان، الذي عاد إلى بورتسودان بعدما كان يفترض أن تشمل جولته دولاً عربية أخرى، إثر زيارات عدّة، سريّة وعلنية، قام بها مسؤولون من «المجلس السيادي» السوداني إلى القاهرة.
تبدو المحاولة المصرية لوقف الاقتتال متعثّرة وبحاجة إلى دعم إقليمي لتبصر النور
وجاءت زيارة البرهان إلى القاهرة بعد خروجه من الخرطوم على خلفية تصاعد الضغوط العسكرية لقوات «الدعم السريع» في الأسبوع الماضي، في حين لم تعُد السيطرة على مقر القيادة العامة الهدف الوحيد لتلك القوات التي قد تنقل المعركة إلى خارج العاصمة، وسط تبادل الاتهامات بشأن الانتهاكات التي تطال المدنيين بشكل متزايد. وفي السياق، توضح مصادر «الأخبار» أن جزءاً ممّا يعيق سرعة الوصول إلى اتفاق يتمثّل في «قوة النفوذ والسيطرة التي تتمتع بها قوات الدعم السريع في الخرطوم، الأمر الذي يجعلها تشعر بعدم الحاجة إلى قبول تقديم تنازلات»، فيما «تبقى قنوات التواصل مستمرة معها حتى اليوم أملاً في الوصول إلى حلول واقعية قابلة للتنفيذ».
وبعيداً من خريطة الميدان الذي تقف تعقيداته عقبة أمام إمكانية بلورة اتفاق، لا تزال «الصلاحيات التي ستتمتع بها الحكومة الانتقالية خلال الفترة الانتقالية، وغيرها من الألغام التي لم يتم التعامل معها بشكل واضح وحاسم في الطرح المصري، قائمة»، وفق أحد المصادر. وبينما يبدو أن الوقت لا يزال مبكراً للحديث عن مسألة إعادة الإعمار والبحث عن مصادر تمويل عربية ودولية من أجل إعادة الحياة مجدداً إلى الخرطوم التي دمّرتها الحرب، تطرّقت نقاشات العلمين إلى هذا الأمر في ضوء المساعدات الإنسانية التي باتت مطلوبة بشكل عاجل، وخاصة أن لدى الجانب المصري «مطالبات لوجستية» بهذا الشأن في حال وقف الاقتتال.
حتى الآن، تبدو المحاولة المصرية لوقف الاقتتال متعثّرة، وبحاجة إلى دعم إقليمي ودولي لتبصر النور، ولا سيّما أن آلية الضغط المطلوبة ليست مرتبطة بالموقف المصري فقط، ولا حتى بالمواقف العربية، بل وبالضغوط الدولية أيضاً والتي لا يبدو أنها ترقى إلى مستوى ما يجري في هذا البلد.