غزة | بالتزامن مع الحراك المستمرّ لمجموعات «الشباب الثائر» على الحدود الشرقية لقطاع غزة، وصل وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت، ظهر أول من أمس، إلى غلاف غزة، على رأس وفد أمني وعسكري رفيع، في زيارة مفاجئة، أراد من خلالها الحصول على إطلالة مباشرة على تطورات الأحداث الميدانية، والاستماع إلى تقييمات وتقديرات القادة الميدانيين في جيش العدو، لإجراء تقدير موقف يتناسب مع التوتر المستمر على الحدود. وقال غالانت عقب انتهاء الزيارة إنه أجرى تقييماً للوضع مع رئيس الأركان ورئيس شعبة الاستخبارات ورئيس شعبة العمليات. في غضون ذلك، أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، عن تعزيز قوات الجيش المنتشرة على الحدود مع قطاع غزة، بكتيبة إضافية. كذلك، أجرى قائد القيادة الجنوبية اللواء يارون فينكلمان، وقائد فرقة غزة المقدّم آفي روزنفيلد، جولة على الحدود، تضمّنت لقاءً بالقوات المتمركزة هناك. وعلى رغم الزيارات العسكرية الإسرائيلية، حافظ المشهد الميداني العام على ثباته، كما كان في الأيام السابقة، إذ أطلق المتظاهرون عند السياج، دفعات من البالونات الحارقة باتجاه مستوطنات غلاف غزة. كما احتشد العشرات من الشبان على طول السياج الفاصل، فيما قصفت الطائرات الإسرائيلية المُسيّرة، مرصداً للمقاومة شرق مخيم البريج وسط قطاع غزة، بثلاثة صواريخ، ومرصداً آخر شرق منطقة بيت حانون شمال القطاع، بدون تسجيل أي إصابات.
وأمام هذا المشهد، رأى الكاتب والمحلّل السياسي مصطفى إبراهيم، أن زيارة وزير أمن العدو لحدود غزة، وما تبعها من إجراء تعزيز القوات العاملة في الميدان، «كل ذلك يندرج في إطار الاستجابة لضغوط المجتمع الإسرائيلي، إذ عاب كثير من الصحافيين والكُتاب الإسرائيليين على غالانت، عدم متابعته للأحداث المتصاعدة على الحدود مع غزة».
ويضيف إبراهيم في حديث لـ«الأخبار» أن «الإسرائيليين يحاولون تضخيم فعاليات الحدود، التي لا تزال في حدّها الأدنى، لأن سكان مستوطنات الغلاف يخشون أن يتطوّر الحدث، ويتحوّل إلى فعاليات إرباك ليلي مزعجة، ثم إلى حرائق تصعب السيطرة عليها. لذا، يستخدم سكان هذه المناطق، سلاح الإعلام لزيادة الضغط على المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، لاتخاذ خطوات أكثر حزماً». ويقدّر إبراهيم، أن «توجّه جيش الاحتلال للرد على إطلاق كل بالون حارق، بقصف مواقع للمقاومة، يندرج في إطار مواصلة النهج الذي بدأه رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، نفتالي بينت، في عام 2021»، مشيراً الى أن «وزير الأمن الحالي، لا يريد أن يبدي أي تراجع أو ضعف في التعاطي مع جبهة غزة، لأن التهاون في هذا المجال، يمكن أن يوفّر للمعارضة الإسرائيلية، مزيداً من المساحة لاستهداف الائتلاف الحكومي اليميني، خصوصاً في ظل الصراع الداخلي على تمرير الإصلاحات القضائية».
بحثت المقاومة عن خيارات وسطية، تُعطيها مساحة من الوقت لإعادة ترتيب صفوفها


وفيما تشهد الأوساط الحزبية في فصائل «العمل الوطني» في غزة، خلافاً داخلياً على «الآلية المنفردة» التي أعادت بها حركة «حماس» تفعيل فعاليات الحدود، كون الحركة اتّخذت القرار بدون إخضاعه للتشاور والإجماع، يرى المحلل السياسي محمد بخيت، أن «الدافع إلى إعادة الفعاليات الحدودية، انطلق أساساً من تهديد الاحتلال بالعودة إلى سياسة الاغتيالات في غزة، رداً على دعم خلايا المقاومة في الضفة الغربية المحتلة، والتي تُدار وفق التقدير الإسرائيلي من قبل أسرى ضفّاويين أُبعدوا إلى القطاع عقب صفقة وفاء الأحرار في عام 2011». ويقول بخيت في حديثه لـ«الأخبار» إن «المقاومة درست التهديدات الإسرائيلية، ووجدت أنها جدّية ويمكن أن تتحوّل إلى واقع في أي وقت، ما دفعها إلى درس خياراتها، وكانت أمام ثلاثة خيارات: الأول هو الصمت وتجاهل التهديدات، ما يُفسّر ضعفاً. والثاني كان التوجّه إلى جولة تصعيد محدودة، يعيد خلط الحسابات الإسرائيلية، لكن هذا الخيار ينطوي على مغامرة غير مأمونة العواقب. وبناءً عليه، بقي أمام المقاومة خيار ثالث، وهو دراسة خيارات وسطية، تُعطي المقاومة مساحة من الوقت لإعادة ترتيب صفوفها». ويتابع بخيت: «هناك مكتسبان وفّرتهما الفعاليات الحدودية للمقاومة، إذ أثبتت قدرتها على إنتاج الخيارات وتوظيفها في الزمان المناسب، وحافظت على موقعها في توجيه ودعم العمل المقاوم في الضفة الغربية، من دون أي تراجع أو تنازل، كما نجحت في كسب الوقت لتأمين قياداتها، ودراسة خياراتها، وزيادة التنسيق بين ساحات المقاومة، وهو ما رأيناه في موقف حزب الله بالتعهد بالردّ على أي اغتيال يمكن أن يطاول أياً من القياديين المقيمين في لبنان».
ويقدّر مراقبون أن الفعاليات الحدودية، والردود الإسرائيلية عليها، لا تزال ضمن السقف لدى الطرفين، حيث لا يقود هذا المستوى من الاشتباك إلى تصعيد واسع. لكن ذلك، لا يعني أن المقاومة لا تتحسّب لإمكانية أن يتوجّه العدو، إلى تنفيذ ضربة أمنية أو عسكرية مباغتة للقطاع، ولا سيما أن فصائل المقاومة لا تنوي التراجع عن موقفها في دعم وتطوير العمل المقاوم في الضفة الغربية، أيّاً بلغ حجم الابتزاز الإسرائيلي، على كل المستويات.