في افتتاحيتها المخصّصة لعملية «طوفان الأقصى»، رأت يومية «لو فيغارو» الفرنسية أن «الإنسانية والعالم المتحضّر لم يكونا محتاجين إلى 11 أيلول جديد. ولكن هذا ما حصل السبت مع الهجوم الوحشي لـ»حماس» على إسرائيل. مفاجأة وذهول ومذبحة وموجة صدمية مدمرة: سيكون هناك ما قبل وما بعد الـ 7 من أكتوبر 2023». تكاد هذه الجملة تختصر موقف قطاع واسع من وسائل الإعلام الغربية، والمقصود طبعاً هي تلك الرئيسة، المكتوبة والمسموعة والمرئية، من المعركة الدائرة فوق أرض فلسطين.وظيفة المقارنة بين هذه الأخيرة وبين هجمات الـ 11 من أيلول، هي استعادة السردية التي سادت يومها عن الحرب بين «العالم المتحضّر» من جهة، و«البربرية» أو «الوحشية» كما قالت «لو فيغارو» من جهة أخرى، والحضّ على توحيد صفوف المعسكر الغربي لخوضها بأفضل الشروط. ففي خاتمة افتتاحيتها، رأت اليومية الفرنسية أن «عودة الحرب التقليدية أنسَتنا حرب الإرهابيين اللامتوازية. الغربيون الموحّدون في إدانتهم لما جرى، والمنفردون تقريباً بمثل هذا الموقف، سيكون عليهم مواجهة هذَين النمطين من الحرب في الآن نفسه». بكلام آخر، روسيا تهاجم الغرب من حدوده الشرقية، و«حماس» تهاجمه من حدوده الجنوبية، أي حدود الكيان الصهيوني. هي حرب واحدة إذاً، وإنْ بوسائل وأساليب مختلفة، ومصير الغرب مهدّد!
مطالعة افتتاحيات وتعليقات وسائل الإعلام الرئيسة الأخرى، وإن كان بعضها أقلّ فجاجة، تفيد بأننا أمام تنويعات للنغمة ذاتها. يشي هذا الواقع بتجذّر أطروحة صراع الحضارات في أذهان قسم عظيم من النخب السياسية والثقافية والإعلامية الغربية، بفعل الذعر المستحكم بها نتيجة إدراكها الضمور المتسارع لهيمنة الغرب ولنفوذه في أرجاء المعمورة. في ظروف «طبيعية»، تحاول هذه النخب إخفاء مثل تلك القناعات، العنصرية البدائية، عبر التشدّق بمفردات كـ«حقوق الإنسان» و«القيم العالمية»، وغيرها من الفقاعات الإعلامية، ولكن مع انفجار الأزمات والنزاعات، يخرج المكبوت تلقائياً إلى العلن، ويجبّ ما قبله. مَن نسي ذلك، ما عليه سوى استذكار حديث الوسائل الإعلامية إياها، مع بداية الحرب في أوكرانيا، عن «واجب الوقوف في صفّ الأوكرانيين، أصحاب السحن البيضاء والعيون الزرق والشعر الأشقر، الذين يشبهوننا»، ورائعة جوزيب بوريل، الممثّل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية، عن «الحديقة الغربية والأدغال».
عند الإعلان عن «الحرب على الإرهاب»، بعد عمليات الـ 11 من أيلول، وتقسيم العالم إلى معسكرين: «من يقف معنا ومن يقف ضدنا»، أشار العديد من المعلّقين، بمن فيهم بعض الأوروبيين آنذاك، إلى أننا أمام «أسرلة للسياسة الخارجية الأميركية»، لا تغدو معها الحرب أداة من أدوات السياسة، بل بديلاً منها، وتمهّد لمشروع حالة الاستثناء الدائمة، أي فرض إدارة عسكرية وأمنية أميركية لشؤون العالم وتناقضاته. فشِل هذا المشروع وتداعى، أولاً بفضل مقاومات شعوب منطقتنا وقواها وأنظمتها الوطنية، وثانياً بفعل التحولات الموازية في موازين القوى الدولية لغير مصلحة أصحابه. غير أن الغرب المتراجع النفوذ، ظلّ على مستوى نخبه السياسية والثقافية يتأسرل، وفق ما تُظهر مواقف سياسيّيه، وأبواق دعايته الإعلامية.
في اليوم التالي للحادي عشر من أيلول، كتب جان ماري كولومباني، رئيس تحرير «لو موند» في تلك الفترة، افتتاحية بعنوان: «كلنا أميركيون». بإمكان نظرائه الحاليين، في مختلف أجهزة الدعاية الغربية، اختيار عنوان «كلنا إسرائيليون»، لمقالاتهم حول معركة «طوفان الأقصى». هي باتت أبواق دعاية لا أكثر ولا أقلّ، والتعامل معها يجب أن ينطلق من هذه الحقيقة.