بغداد | بعد تعرّض القواعد العسكرية والمصالح الأميركية في العراق وسوريا لسلسلة هجمات خلال الأسابيع الماضية، كان آخرها أمس استهداف السفارة الأميركية في بغداد بالصواريخ، يروي مسؤول عسكري عراقي من الطواقم الأمنية المقيمة داخل قاعدة عين الأسد (غرب بغداد)، في حديث إلى «الأخبار»، مشاهداته منذ بداية تعرّض القاعدة للضربات الصاروخية، قائلاً إن «القوات الأميركية تتعامل معنا بحذر دائم، ولديها بروتوكول أمني خاص بها من ناحية تفتيش جميع الداخلين والخارجين إلى القاعدة. لكن بعد الاستهدافات الأخيرة، زادت من إجراءاتها بشكل لم نلحظه حتى عندما قامت إيران قبل سنتين بقصف القاعدة بعدد كبير من الصواريخ الباليستية». ويوضح المسؤول أن «الأميركيين سابقاً كانوا قريبين منا، لكن مع التوترات الأخيرة ورفع حالة الحذر عند طواقمهم، قاموا بنقلنا جميعاً إلى مكان يبعد تقريباً أكثر من مئة متر عنهم»، مبدياً اعتقاده بأن «هذا الإجراء جاء بناءً على معلومات استخباراتية تتعلق بعملهم الخاص، وكذلك تحفّظاً على سياق تحركاتهم داخل القاعدة وخارجها».وبشأن خطورة الهجمات على الأميركيين، يقول «إن هناك منظومات متطورة لصدّ الصواريخ والمُسيّرات، لكن العمليات تبث الخوف بعض الأحيان لدى القوات الأميركية»، مضيفاً أن «هناك ملاجئ آمنة جداً مخصّصة لنا ولهم في أوقات الضربات. وعند وجود خطر تنطلق صافرات الإنذار». ويبيّن أن «الجانب الأميركي يتعامل مع الجانب العراقي بشكوك من ناحية تبادل المعلومات، خشية تسريبها إلى أطراف ترتبط بالفصائل المسلحة». ويؤكد أنه «ليس من السهل اختراق القاعدة؛ فمثلاً عندما قام الأميركيون باستهداف أشخاص تابعين لأحد الفصائل كانوا يستقلّون سيارة نوع بيك آب قبل أيام، كانت المعلومات عنهم حاضرة بشكل مسبق، فضلاً عن اعتقال عدة أشخاص مشتبه بهم والتحقيق معهم».
وأدخلت «المقاومة الإسلامية في العراق» أهدافاً جديدة في عملياتها العسكرية التي تشنّها ضد الأميركيين، حيث تعرّضت، فجر أمس، السفارة الأميركية في «المنطقة الخضراء» وسط بغداد لهجوم صاروخي، أعاد تظهير المأزق الذي يواجهه رئيس الحكومة، محمد شياع السوداني، الذي دعا إلى ملاحقة منفّذي الهجوم و«تقديمهم للعدالة». وكانت دعوات «الثأر والانتقام» من الولايات المتحدة قد تصاعدت، إثر شنّها في الأيام الماضية غارة جوية أسفرت عن استشهاد خمسة من عناصر «حركة النجباء» العراقية في منطقة كركوك، واستهدافها قبل ذلك قافلتين لـ«الحشد الشعبي» في أبو غريب وجرف الصخر، ما أدى إلى استشهاد عدد من مقاتلي «الحشد»، في ما قالت واشنطن إنه رد على استهداف فصائل المقاومة قواعدها في سوريا والعراق.
استهدفت المقاومة العراقية سفارة واشنطن في بغداد فيما قالت الولايات المتحدة إنها «تحتفظ بحق الدفاع عن موظفيها»


وفي بيان أمس، أكّدت السفارة تعرّضها نحو الساعة 4:15 فجراً لهجوم بصاروخين، «لا تزال التقييمات جارية بشأنه، بينما تدل المؤشرات إلى أنه من تنفيذ ميليشيات موالية لإيران». وجدّدت دعوة الحكومة العراقية إلى «اتخاذ كل الإجراءات اللازمة لحماية أفراد ومرافق البعثات الدبلوماسية والشركاء في التحالف الدولي»، وأكّدت الاحتفاظ «بحق الدفاع عن النفس وحماية موظفينا في أي مكان في العالم». ووجّه السوداني، بدوره، القيادات الأمنية كافة، «بملاحقة مرتكبي اعتداء إطلاق المقذوفات في اتجاه السفاره الأميركية، وتقديمهم للعدالة». واعتبر أنّ «استهداف البعثات الدبلوماسية أمر لا يمكن تبريره». وفي وقت لاحق، استهدفت «المقاومة الإسلامية في العراق» قاعدة الاحتلال الأميركي في حقل «كونيكو» النفطي في سوريا، برشقة صاروخية.
وتؤكد قيادات الفصائل أن المقاومة ستعمّق انخراطها في المواجهات المباشرة مع الاحتلال، توازياً مع استعدادها لمعركة طويلة ضد القوات الأميركية التي زادت أخيراً من وتيرة تأهّبها، من خلال إعادة تموضعها داخل القواعد العسكرية التي تتمركز فيها، تحسّباً لهجمات محتملة. كما تعتقد المقاومة أن القوات الأميركية المتواجدة في القواعد والمعسكرات العراقية، هي «قتالية» وليست قوات استشارية وتدريبية، داعيةً الحكومة إلى تنفيذ القرار الذي صوّت عليه مجلس النواب في عام 2020 والذي يقضي بإنهاء الوجود الأجنبي.
وفي هذا السياق، يشير القيادي في «حركة النجباء»، محمد الموسوي، إلى أن «مطلب محور المقاومة واحد، ويتمثل في خروج المحتل الأميركي، لا غير. ونوجّه رسالتنا إلى الإدارة الأميركية بسحب قواتها فوراً، وإلا فإن هجمات الفصائل مستمرّة وقد تأخذ منحى أكثر خطورة عليها». ويؤكد، لـ«الأخبار»، أن «المقاومة بصدد تكثيف ضرباتها ضد المحتل، وتوحيد ساحاتها، ولا سيما أن هناك تنسيقاً بين جميع الفصائل المشاركة لضرب العدو»، معتبراً أن «استمرار الصراع في غزة يعني استمرار الهجوم على القوات الأميركية التي تدعم إسرائيل منذ بداية الحرب على فلسطين». ويقول الموسوي إن «الفصائل تجهّز نفسها لخوض مواجهة كبرى ضد المحتل الأميركي الذي يمرّ بحالة من الهوان والضعف بسبب ضربات المقاومة المستمرة»، مشدّداً على أن «أرواح القادة الشهداء (الحاج قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس ومن استشهد معهما) حاضرة، والانتقام من قاتليهم قريب، وسيكون خروجهم بطريقة مذلّة ومخزية».
من جهته، يرى المحلل السياسي، جودت كاظم، أن «فصائل المقاومة تعمل منذ اندلاع الأزمة على مراحل، وهي بدأت بالاحتجاجات الشعبية والاعتصامات على الحدود الأردنية، ومن بعدها استهدفت القواعد الأميركية بالصواريخ والمُسيّرات، وهذا يعني أنها تمتلك أوراقاً أخرى أقوى ولم ترد حرقها مبكراً، وإنما بشكل مخطّط له». ويرجّح أن «هناك تطورات مقبلة في المواجهة العسكرية، وربما ستشمل المنطقة بأسرها، ولا سيما من جهة جنوب لبنان التي يوجّه حزب الله عبرها ضرباته بشكل دقيق ضد مواقع إسرائيلية، لمساندة المقاومة الفلسطينية التي تواجه العدوان».