لا يبدو طريق التفاوض بين العدو الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية، سهلاً أو سالكاً حتى الآن، إذ ترفع المقاومة من شروطها، وتحدّد عنواناً أوّلَ لأي صفقة: وقف الحرب، بينما يقدّم العدو العرض تلو الآخر، مع تعديلات بسيطة، يحاول فيها إغراء المقاومة، ودفعها إلى التفاوض. كذلك، يعاون الأميركيون حلفاءهم في تل أبيب، فيدفعون «الوسطاء»، في الدوحة والقاهرة، إلى تولّي النقاش مع قيادات المقاومة، لإقناعهم بالقبول بالخوض في التفاصيل، على الأقلّ، إن لم يكن القبول بالعروض الإسرائيلية المطروحة حالياً. وفي هذا السياق، يتردّد أن هناك موفداً إسرائيلياً وصل إلى قطر خلال الساعات الماضية، كما أن المصريّين يسألون عن المقترح الفلسطيني القابل للتطبيق في قطاع غزة. في المقابل، وبحسب مصادر «الأخبار»، فإن «القيادة السياسية لحماس، أبلغت القطريّين أننا غير مفوّضين بالبحث إلا في وقف إطلاق النار»، في ظل اعتقاد بأن إسرائيل كانت تميل الى أن الجناح العسكري للحركة، «قد أُنهك»، وأن إشارات وصلتها بأن الحركة باتت على استعداد لتسوية ما.ومع سير التفاوض، يبذل العدو جهوداً حثيثة للإيحاء بأنه يحقّق «إنجازات» كبرى في عمليته العسكرية، ويدعو سكّان المستوطنات البعيدة عن غزة 4 كم للعودة إلى بيوتهم. لكنّ الصورة التي يحاول الاحتلال رسمها، تخرقها الاشتباكات المستمرّة بين قواته والمقاومين، في كل منطقة أعلن إتمام سيطرته عليها، من بيت حانون في أقصى الشمال الشرقي، إلى جباليا ومخيمها والأحياء الغربية من مدينة غزة، وحيّ الشجاعية شرقي المدينة، والذي أعلن السيطرة عليه أمس. ورغم أن العدو شرع في تنفيذ حملة تدمير كامل لكل المنشآت المبنيّة والبنى التحتية المدنية، على طول حدود القطاع، على مسافة 2 كم تقريباً داخله، في ما يبدو منطقة «عازلة» يعمل على إنشائها تحت ستار الحرب، إلا أن ذلك لم يبدُ كافياً للمستوطنين للعودة إلى مستوطناتهم، حتى تلك البعيدة 4 كم وما فوق.
ودفع ذلك سلطات العدو إلى الإعلان عن «جائزة مالية»، لكل من يعود إلى منزله في مستوطنات الغلاف ضمن المسافة المذكورة. وفي هذا السياق، قالت «القناة 12» العبرية، إن «إسرائيل تعتزم إقامة خطوط دفاعية قرب مستوطنات غلاف غزة لمنع تكرار اقتحام المستوطنات». كما أُعلن، أمس، سحب «لواء غولاني» من القطاع، بعد 60 يوماً من القتال تكبّد فيها خسائر كبيرة، بهدف «إعادة تنظيم صفوفه»، بحسب التقارير الإعلامية، علماً أن هذا اللواء، هو من تولّى القتال في حي الشجاعية بشكل خاص. كذلك، أعلن الجيش الإسرائيلي «إصابة 40 جندياً وضابطاً إسرائيلياً في معارك القطاع خلال الـ24 ساعة الأخيرة».
في المقابل، ردّت المقاومة على مزاعم العدو تحقيق شيء من «الأمن» لغلاف غزة، وإنجازات جدّية في الميدان، عبر قصف منطقة الوسط في الكيان، برشقة صاروخية كبيرة، وصلت إلى أكثر من 30 صاروخاً. ودوّت صفارات الإنذار في تل أبيب ورعنانا وهرتسليا وحولون وريشون ليتسون وعسقلان وكفار سابا وبلماحيم. وعلّقت «القناة 12» العبرية على هذه الدفعة الصاروخية «بأننا لم نرَ مثلها في الأيام الأولى من الحرب»، فيما أظهرت مقاطع فيديو سقوط صاروخ على مبنى بشكل مباشر، في منطقة تل أبيب.
تحاول القاهرة أخذ نقاش «حماس» مع الفصائل الفلسطينية، إلى نقاش مع السلطة في رام الله


على الأرض، تحافظ المقاومة على حالة اشتباك مستمرّة لا تنقطع مع قوات العدو في كلّ محاور القتال، وخصوصاً في الشمال، حيث دارت أمس اشتباكات وخصوصاً في مناطق اليرموك وشارع الجلاء والشيخ رضوان والرمال. أما في جباليا ومخيمها، فاستمرّت الاشتباكات أيضاً، بالرشاشات الثقيلة في الأطراف الشرقية لحي الشجاعية، في وقت يستميت فيه العدو للسيطرة على المنطقة، ويدفع في سبيل ذلك بمزيد من القوّات، وسط موجات قصف جوي ومدفعي عنيفة ومستمرّة. أيضاً، وفي عملية مشتركة بين «سرايا القدس؛ و«كتائب القسام»، تمكّن المقاومون من تفجير عبوة أرضية ناسفة بدبابة ميركافا في منطقة المغراقة وسط قطاع غزة.
وفي خضمّ ذلك، أكّد الناطق العسكري باسم «كتائب القسام»، أبو عبيدة، أن «مجاهدينا على الأرض يستمرون في تدمير الآليات وإيقاع الجنود في معارك مع الاحتلال تتصاعد وتتزايد خسائره فيها»، مشيراً إلى استهداف «740 آلية متنوّعة للاحتلال منذ بداية العدوان». كما أعلن أن «القسام» نفّذت «خلال الأسبوع الأخير أكثر من 15 عملية قنص و12 اشتباكاً مباشراً»، مشيراً إلى أن «ما يسعى له الاحتلال هو البحث عن صورة من الإنجاز، فتراه يحتفل بالعثور على راجمة خارجة عن الخدمة، أو نفق قديم». وفي ما يتعلّق بالأسرى، قال أبو عبيدة إن «محاولات الاحتلال استعادة أسراه، أثبتت أنّ هذا المسار لا يوجد له إلا طريقان، وإن أراد الاحتلال أسراه فعليه القبول بشروط المقاومة». ووجّه «التحية إلى شعبنا في الضفة والقدس»، وحيّا «مقاتلي أمّتنا الذين يربكون العدو وخصوصاً في جبهتَي اليمن ولبنان». كما عرضت «كتائب القسّام»، مقطع فيديو، تحت عنوان «رغم حرصنا على الحفاظ على حياتهم، لا يزال نتنياهو يصرُّ على قتلهم»، ظهر فيه الأسرى الإسرائيليون الثلاثة: رون شيرمان وإيليا توليدانو ونيك بيزر، وهم أحياء، قبل أن يُكتب في الفيديو أنهم قُتلوا بنيران الجيش الإسرائيلي.
وفي القاهرة، واصل وفد حركة «حماس» لقاءاته مع المسؤولين المصريين في اجتماعات مطوّلة وموسّعة تناولت موضوعات عدّة، وسط ترقّب لزيارة وفد حركة «الجهاد الإسلامي» مطلع الأسبوع المقبل، في حين جاء البيان الصادر عن «الفصائل الوطنية الفلسطينية»، والذي أعلن «رفض التفاوض على هدنة إنسانية مرة أخرى»، معبّراً عن مضمون ما دار في هذه اللقاءات. وبحسب مصادر «الأخبار»، فإن «المصريين سألوا الفلسطينيين عن المقترح القابل للتطبيق»، فكان الجواب هو أن «لا يتمّ إعلان وقف إطلاق النار، بل تعليق العمليات العسكرية»، على أن «يجري خلال ذلك إطلاق دفعة من الأسرى»، في موازاة «إطلاق النقاش حول الصفقة الشاملة التي تشتمل على إنهاء الحرب وانسحاب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة»، وكذلك الاتفاق على الترتيبات التي تتعلّق بـ«آلية إدارة الوضع أمنياً في غزة، ومن يدير عملية إعادة الناس إلى بيوتهم»، إضافة إلى «صفقة التبادل الشاملة للأسرى»، علماً أن أعداد الأسرى الفلسطينيين حالياً باتت كالتالي: 5350 أسيراً قبل الحرب، و4650 أسيراً من الضفة الغربية، و1750 من غزة، منذ 7 أكتوبر.
وعلى صعيد متصل، علمت «الأخبار» أن القاهرة طالبت قيادة «حماس»، بـ«ضرورة التوافق والتنسيق مع باقي الفصائل الفلسطينية بشأن المطالب، والتأكيد على أن ما سيجري الاتفاق عليه لتحقيق وقف كامل لإطلاق النار، سيكون مُلزماً للجميع خلال الأسابيع المقبلة، وذلك بهدف تجنّب أي استفزازات إسرائيلية تعيد الحرب مجدداً». كما أشارت المصادر إلى أن «القاهرة تحاول أخذ النقاش مع الفصائل الفلسطينية، إلى نقاش مع السلطة في رام الله، للوصول إلى خارطة طريق للمرحلة المقبلة في قطاع غزة والضفة الغربية، ودور الفصائل فيها إلى جانب السلطة، خصوصاً مع توقّع خروج شخصيات قيادية بارزة من فتح، مثل مروان البرغوثي، من السجن في أي صفقة مقبلة».