بغداد | في تحوّل نوعي في مسار العمليات التي تنفذها والتي اقتصرت حتى الآن إلى حد كبير على القواعد الأميركية في سوريا والعراق، وجّهت «المقاومة الإسلامية في العراق» نيرانها نحو أهداف إسرائيلية في البحر المتوسط وإيلات على البحر الأحمر. وفي بيان أصدرته مساء أمس، أعلنت المقاومة العراقية أن مقاتليها «استهدفوا قبل أيام، هدفاً حيوياً في البحر الأبيض المتوسط، بالأسلحة المناسبة، وحقّقوا إصابة مباشرة». وفي أعقاب ذلك، قال الناطق العسكري الإسرائيلي إن طائرة مقاتلة تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي «دمرت قبل أسبوع مسيّرة كانت تستهدف إسرائيل عبر البحر». وذكرت المقاومة نفسها، في بيان آخر، أنها أيضاً ضربت «هدفاً في أم الرشراش (إيلات) المحتلة، بالأسلحة المناسبة».ويأتي هذا التحول في ظل خلاف لا يفتأ يتعمّق بين الحكومة العراقية وفصائل المقاومة، حول استهداف القواعد الأميركية في العراق وسوريا، في الوقت الذي تواصل فيه واشنطن الضغط على رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، للتدخّل ووقف هذه الهجمات. وتقول مصادر عراقية، لـ«الأخبار»، إن «رئيس الحكومة طلب من تنسيقية المقاومة وقف عملياتها الهجومية ضد واشنطن في مدّة انتخابات مجالس المحافظات التي أجريت الأسبوع الماضي، لغرض تأمين سيرها بهدوء، لكن كتائب حزب الله أبلغته بأنها لن تلتزم وستواصل نشاطها العسكري». ومنذ استهداف السفارة الأميركية في بغداد قبل أسابيع، برزت شكوك كثيرة لدى المقاومة حول ميل رئيس الحكومة إلى الاستجابة لرغبة الولايات المتحدة في وقف عملها من جهة، وعدم جديته في ملف إنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق نتيجة ضغوط خارجية، من جهة ثانية.
ومع استمرار هجمات الفصائل، أعلنت السفيرة الأميركية لدى بغداد، ألينا رومانوسكي، الخميس الماضي، أنها اتفقت مع زعيم «تيار الحكمة الوطني»، عمار الحكيم، على ضرورة وقف الهجمات التي تستهدف منشآت الولايات المتحدة في العراق وسوريا. وكذلك، أجرت القائمة بأعمال نائب وزير الخارجية الأميركية، فيكتوريا نولاند، في الأسبوع الماضي، محادثات مع السوداني ورئيس إقليم كردستان، نيجرفان بارزاني، وقيادات سياسية ودينية أخرى، بهدف الدفع في اتجاه وقف تلك الهجمات.
المقاومة تدرس الانتقال إلى مرحلة ثانية من التصعيد خلال ذكرى استشهاد المهندس وسليماني


ويرى قيادي في «حركة النجباء»، تحدث إلى «الأخبار» مشترطاً عدم ذكر اسمه، أنه «ليست هناك انقسامات بين صفوف فصائل المقاومة، وإنما اختلافات حول قضايا تتعلّق بعملها العسكري. لكن هناك خلافاً بدأ يظهر أكثر مع الحكومة التي لا نريدها أن تخضع للاحتلال الأميركي». ويؤكد أن «موقف حركة النجباء وأمينها العام أكرم الكعبي واضح منذ البداية، وهو أن لا تراجع ولا مهادنة ولا مصالحة مع الأميركان باعتبارهم عدواً للمقاومة، ولا سيما أن لنا معهم ثأراً ودماء. فقضية وقف نشاطنا وعملياتنا العسكرية مستحيلة. وبالعكس، ندرس في الوقت الحالي الانتقال إلى مرحلة ثانية أكثر تصعيداً، وربما ستبدأ خلال أيام في الذكرى السنوية لاستشهاد قادة النصر أبو مهدي المهندس والحاج قاسم سليماني». ويشير القيادي إلى أن حركته وأيضاً بعض قادة الفصائل غير راضين عن موقف الحكومة، «ولهذا نحن نتحدّث عنها ونلمّح حتى تنتبه إلى حساسية وجود المقاومة ضد الأميركان في العراق، وإلا سنبقى بلا سيادة وخاضعين مدى الحياة».
ومن جانبه، يقول القيادي في «الحشد الشعبي»، محمد الموسوي، إن «المواجهة العسكرية مع المحتل لا بد منها، لأن الطرق الديبلوماسية التي تتّبعها الحكومة أصبحت غير مقنعة. ولهذا بدأت غالبية الفصائل تضغط على رئيس الحكومة بشتى الطرق». ويضيف الموسوي، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «أخشى ما أخشاه هو أن تصبح رؤية المحتل في العراق مشهداً طبيعياً تألفه العيون، نتيجة السكوت عنه. ليس من قبل المقاومة، وإنما من القوى السياسية التي تفكّر في المغانم والمناصب وغيرها وتنسى وجود احتلال وعدو على أراضيها». ويتابع أن «خلافات المقاومة الحالية هي بشأن التداخل بين العمل السياسي من جهة، والخط الجهادي ضد المحتل من جهة أخرى، فبعض الفصائل بدأت تسحب نفسها من المقاومة وتذهب في اتجاه العمل السياسي».
أما المحلل السياسي، جواد البديري، فيرى أنّ «أحداث غزة غيّرت مشهد الفصائل داخل العراق، بخاصة بعد الانقسامات التي حدثت داخلها وموقف بعضها من تعاطي الحكومة مع الأزمة بطريقة ديبلوماسية». ويبيّن أنّ «الفصائل أصبحت فريقين، واحد يتشدّد في محاربة الأميركان وقصف مصالحهم بالصواريخ، وآخر يؤيد الحكومة وحلولها الديبلوماسية، وهذا ما ولّد انقساماً حاداً في ما بينها، فضلاً عن أنه انعكس تراجعاً في قوّة موقف الفصائل مؤخراً».