تظلّلت ساحة بنت جبيل، أمس، بالأعلام الفلسطينية في مراسم تشييع الشهداء الثلاثة الذين قضوا في الغارة التي نفّذها العدو الإسرائيلي ليل الثلاثاء - الأربعاء على منزل سعيد بزي في وسط المدينة. لم يكن غريباً أن تثأر إسرائيل من هذا البيت المقاوم وتقتل نجلَي سعيد الوحيدين، علي (37 عاماً) وإبراهيم (26 عاماً) وزوجة الأخير، شروق حمود. وبحسب أقرباء الشهداء، فإن إبراهيم وزوجته كانا متواجدَين في الطبقة العلوية، فيما الوالد سعيد ونجله علي وصديقه كانوا متواجدين في الطبقة الأرضية. سقط الصاروخ على المبنى، فقذف عصف الصاروخ بسعيد إلى الخارج. فيما أطبق الردم على الثلاثة الباقين، وأصيب الرابع بجروح بليغة. لم يتمالك الوالد نفسه خلال العزاء. تكراراً، كان ينتحب كلّما رأى أحداً من أصدقاء ومحبّي نجله الأكبر علي. ينهض من كرسيّه ويركض باتجاه الركام، يبحث عن أغراض ابنيه وثيابهما. من حول سعيد، اصطفّ شقيقاه حسن ونعمة يواسيانه، وهما الأكثر تجربة في عدوانية إسرائيل وغدرها. فالأول أمضى في معتقل الخيام 11 عاماً حتى تحرّر في عام 2000، والثاني كان أمضى 13 عاماً حتى حرّرته صفقة تبادل للأسرى عام 1997. بينما حاول العم الثالث للشهيدين، محمد بزي، أن يواسي شقيقه المفجوع، بأن أحضر من منزله المجاور المتضرر، مجموعة صور لشقيقه سعيد وأولاده.حاز الشهيدان علي وإبراهيم من والدتهما الجنسية الأسترالية. اختار علي الاستقرار في بنت جبيل. أما إبراهيم، فغادر إلى أستراليا قبل أربع سنوات، قبل أن يعود ليتزوّج من شروق، ويستحصل لها على تأشيرة دخول تمكّنها من الاستقرار معه هناك. أخيراً، أُنجزت المعاملات، لكنّ الزوجَين انتظرا لتمضية رأس السنة مع العائلة قبل أن يسافرا. لم يبقَ من العريسين سوى «ألبوم» صور حمله وائل قصير الذي صوّر زفافهما في 22 كانون الأول من العام الماضي، إلى التشييع. وفي حديث إلى «الأخبار»، أكّد رئيس بلدية بنت جبيل عفيف بزي، أن «استهداف المدينة لم يكن وارداً منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي قبل ثلاثة أشهر. وكانت تشكّل واحة اطمئنان لأهالي يارون وعيترون ومارون الرأس. حتى إن البلدية والدوائر الرسمية ظلّت تعمل من دون انقطاع، وكانت الحركة عادية نسبياً»، مستدركاً بأن «العدو الذي نعرفه منذ ما قبل عام 1948، غدّارٌ ولا يؤمن جانبه، ولذا لا يفهم إلا بلغة القوة».
شنّ المقاومون هجوماً ‏بالمُسيّرات الانقضاضية والأسلحة الصاروخية والمدفعية


ميدانياً، واصل حزب الله استهداف المواقع والتحصينات الإسرائيلية وتجمّعات جنود العدو على طول الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، حيث استهدف تموضعاً قيادياً مستحدثاً في محيط الموقع البحري في الناقورة، وخيمة ‏تابعة لقوة خاصة جنوب موقع الضهيرة وموقع ‏حدب البستان. كما استهدف موقع خربة ماعر ومرابض المدفعية فيه، وتموضع القوات الإسرائيلية حوله، بصواريخ «بركان». ولاحقاً، شنّ المقاومون هجوماً ‏بالمُسيّرات الهجومية الانقضاضية والأسلحة الصاروخية والمدفعية على تجمّعات جنود ‏العدو المستحدثة وآلياته خلف مواقعه في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة. ورداً على ‏جرائم العدو المتكرّرة واستهدافه لمنازل المدنيّين في بنت جبيل، استهدفت المقاومة مستوطنة كريات شمونة ‌‏(بلدة الخالصة المحتلّة) بثلاثين صاروخ «كاتيوشا».
في المقابل، قال عضو «مجلس الحرب» في الحكومة الإسرائيلية، بيني غانتس، إن «الوضع عند الحدود الشمالية يلزم بالعمل نحو حلّ سياسي، وإن لم يتمّ ذلك فالجيش الإسرائيلي جاهز للعمل». وأكّد أن «الوضع على الحدود الشمالية مع لبنان يجب أن يتغيّر»، مشدّداً على أن «وقت الحلّ الدبلوماسي بدأ ينفد، وإذا لم يتحرّك العالم والحكومة اللبنانية من أجل منع إطلاق النار على سكان شمال إسرائيل وإبعاد حزب الله عن الحدود، فسيفعل الجيش الإسرائيلي ذلك». كما نقلت صحيفة «إسرائيل اليوم» عن وزير الخارجية الإسرائيلي، إيلي كوهين، قوله إن «إبعاد حزب الله عن الحدود إما أن يتمّ من خلال الدبلوماسية أو الحرب (...) ويتعيّن على (السيد حسن) نصرالله فهم أنه التالي ما لم يبتعد حزب الله إلى شمال نهر الليطاني»، معتبراً أن «كل الخيارات مفتوحة لإعادة سكان الشمال إلى بيوتهم آمنين». فيما أفادت وسائل إعلام إسرائيلية لاحقاً، بأن المقاومة اللبنانية أطلقت الصواريخ باتجاه منطقة رأس الناقورة المحتلة، عندما كان وزير الخارجية الإسرائيلي ومجموعة من السفراء يقومون بجولة في المنطقة.
وبعد أن أعلن رئيس هيئة الأركان في الجيش الإسرائيلي، هرتسي هاليفي، أنه وافق على خطط في القيادة الشمالية، مضيفاً أن الجيش الإسرائيلي في «مستوى عالٍ جداً من الاستعداد»، قال رئيس «المجلس الإقليمي للجليل الأعلى»، غيورا زالتس، رداً على ذلك أن «صورة انتهاء القتال في الشمال دون أن تُلحق إسرائيل ضرراً كبيراً بالقدرات التشغيلية والعسكرية لحزب الله وإيران، ستكون خطأ استراتيجياً أمام العالم بشكل عام والعالم العربي بشكل خاص، وسوف يشكّل ذلك تحدياً كبيراً للاستيطان على طول الحدود وللفكرة الصهيونية». وبحسب زالتس، «هذا يعني أننا سنستمرّ في العيش تحت تهديد أمني، وأننا سننتظر 7 أكتوبر في الشمال».