تستعدّ الولايات المتحدة، اليوم، لانطلاق المنافسات الانتخابية الرئاسية والتشريعية الحاسمة في ما يُعرف بـ»الثلاثاء الكبير»، ضمن 15 ولاية لمرشّحي الحزب الجمهوري، و16 ولاية لمرشحي الحزب الديموقراطي، وهي المنافسات التي غالباً ما تُرجّح وجهة السباق الرئاسي التمهيدي. وإذا كان السباق بين الديموقراطيين بات محسوماً، مع «تربّع» الرئيس الحالي، جو بايدن، على صدارة التمهيديات، وسط غياب منافسين جدّيين، فإن السباق بين الجمهوريين ليس بعيداً بدوره عن ترجيح كفّة الرئيس السابق، دونالد ترامب، الذي يبدو أفضل حالاً من منافسته، نيكي هايلي، بعد فوزه الأخير في ولايات: ميشيغان، ميسوري وإيداهو، وقبلها في: أيوا، نيوهمبشير، نيفادا وكارولينا الجنوبية، ما يضمن حصوله على 244 مندوباً، في مقابل فوز وحيد متوقّع سجّلته المندوبة الأميركية السابقة لدى الأمم المتحدة على خصمها في ولاية واشنطن. ومن هنا، فإن «الثلاثاء الكبير»، وما يعنيه من إمكانية لحصد أكثر من ثلث المندوبين الذين سيجري تعيينهم للمؤتمر الوطني للحزب الجمهوري المقرّر انعقاده الصيف المقبل في مدينة ميلووكي في ولاية ويسكنسن، يبدو بمثابة فرصة هايلي الأخيرة لمحاولة تدعيم حظوظها الانتخابية مع تجمّد عدد مندوبيها عند 24.
معركة بايدن: لا منافسين جديّين... باستثناء ترامب!
على مقلب الديموقراطيين، يبدو أن ضعف المرشّحين في الانتخابات الرئاسية التمهيدية في وجه بايدن، ومن بينهم عضو الكونغرس دين فيليبس، والمرشّحة ماريان وليامبسون، جعل المنافسة أقل وهجاً هذه المرّة. وفي هذا السياق، يشير الخبير المختصّ في الإحصاءات، فرانك لونتز، إلى حالة من التململ في الشارع الأميركي، مع تبلور شبه رسمي لنسخة جديدة من انتخابات عام 2020، مضيفاً أن سباق الانتخابات التمهيدية يحظى بمستويات متدنّية غير مسبوقة من اهتمام الناخبين الأميركيين. ويتابع لونتز أن «الاختيار بات واضحاً» في شأن هوية المرشّحين للسباق الرئاسي، في إشارة إلى ترامب وبايدن، لافتاً إلى أن «70% من الناخبين الأميركيين يمقتون كليهما». وبحسب نتائج استطلاع أجرته وكالة «بلومبرغ»، بالتعاون مع مؤسسة «مورنينغ كونسلت»، فقد تبيّن أن بايدن يتخلّف عن ترامب في سبع ولايات متأرجحة، هي: أريزونا، جورجيا، بنسلفانيا، ميشيغان، كارولينا الشمالية، نيفادا وويسكونسن، حيث سجّل الرئيس السابق نسبة تأييد قاربت 48% من الأصوات، في مقابل 43% لبايدن. ويشرح لونتز حصيلة الانتخابات التمهيدية، بالقول إنها تبيّن أن «ترامب فقد أصوات نساء الضواحي اللواتي اعتدن على التصويت لمصلحة الجمهوريين، بينما فقد بايدن أصوات الأميركيين المنحدرين من أصول لاتينية وعدداً لا بأس به من أصوات النقابيين الذين اعتادوا التصويت لمصلحة الديموقراطيين». ويزيد: «مع مرور كل أسبوع، يصبح جو بايدن أضعف فأضعف أمام ترامب، مع ازدياد عدد الناخبين الذين يرون أن الأول، وبكل بساطة، رجل هرم، وطاعن في السن».
ولعل إشارة الاعتراض الأقوى في وجه بايدن، جاءت قبل أيام، وتحديداً خلال الانتخابات التمهيدية في ولاية ميشيغان، التي حسمها الأخير بسهولة، بحصوله على نسبة 80% من أصوات الناخبين الديموقراطيين، في حين صوّت قرابة 100 ألف من سكان الولاية، أي ما يوازي 13.4%، لمصلحة خيار «غير ملتزم»، وهو ما عُدّ مؤشراً إلى تراجع حظوظ الرئيس الحالي في الفوز بالولاية، التي تضمّ أكبر جالية أميركية من أصول عربية في الولايات المتحدة. وعلى وقع الخوف من خسارة «الصوت العربي» بسبب الموقف من العدوان الإسرائيلي على غزة، وفي ظلّ الخشية من «الاعتراض الشديد» على سياسات بايدن التي لامست أدنى مستوياتها على الإطلاق، ومع اتّساع نطاق مخاوف الأميركيين من حالة بايدن الصحية، فضلاً عن المشكلات الاقتصادية القائمة، وملف اللاجئين على الحدود الجنوبية للبلاد، حاولت نائبة الرئيس، كامالا هاريس، «دغدغة مشاعر العرب» من خلال تصريحات دعت فيها إسرائيل إلى «فعل المزيد من أجل إيصال المساعدات الإنسانية» إلى غزة، مؤكدة «عدم وجود أعذار» أمام «تل أبيب» لعدم القيام بذلك.
تسود تساؤلات حول ما إذا كانت هايلي قادرة على تحقيق الفوز في المزيد من الولايات في وجه منافسها


ترامب: الحسم قريب
خلافاً لانتخابات عام 2016 حين فاز بنحو سبع ولايات من أصل 11 خلال «الثلاثاء الكبير»، يرجّح محلّلون فوز ترامب بحصة أكبر هذه المرّة، قد تتجاوز الـ 700 مندوب، في الجولة الحالية الدائرة بينه وبين هايلي لكسب ما مجموعه 874 مندوباً إضافيّاً، لضمان اقترابه أكثر من الرقم 1215، وهو العدد اللازم من المندوبين لنيل ترشيح الحزب رسميّاً. ويرى هؤلاء أنه في حال ضمان حسمه المعركة، معطوفاً على مساعيه لـ»إعادة هيكلة» اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري، على خلفية جهوده الحثيثة لتعيين مايكل واتلي، المستشار العام للجنة، رئيساً مشاركاً فيها، إضافةً إلى تجنّب «المحكمة العليا» إدانته، فسيكون الطريق ممهّداً أمامه نحو القيام بالخطوة الأكبر له على الإطلاق، أي تدشين عودته إلى الحياة السياسية الأميركية، وربما إلى تبوّئه رسمياً، في وقت لاحق، سدة الرئاسة في الولايات المتحدة.

هايلي: ثلاثاء «الفرصة الأخيرة»
أمّا هايلي، فتخوض سباق «التمهيديات الجمهورية» تحت شعار «لن ننجو من 4 سنوات إضافية من فوضى ترامب»، متمسكةً حتى الآن بمواصلة معركتها معه. وتدعم حجّتها بضرورة وجود ما تسمّيه «الخيار الثاني» أمام الجمهوريين، في حال تعرّض الرئيس السابق لانتكاسات صحية بسبب كبر سنّه، أو سجنه على خلفيّة عدد من القضايا التي يواجهها أمام المحاكم الأميركية. وفي جديد مواقفها، لمّحت هايلي، خلال حديث إلى شبكة «إن بي سي»، إلى تمرّدها على قيادتها الحزبية، مؤكدة أنها لا تشعر بأنها ملزمة بتعهدها للجنة الوطنية الجمهورية العام الماضي بدعم مرشح الحزب النهائي للانتخابات الرئاسية المقبلة، مبرّرة الأمر بالقول إن «اللجنة الوطنية الجمهورية الآن مختلفة عن اللجنة الوطنية الجمهورية حينها». ورأت أن ترامب وبايدن ليسا مؤهّلَين لتولّي سدّة الرئاسة، على رغم تشديدها على أن حملتها لا يمكن وضعها في سياق «العداء لترامب».
وقبيل ساعات من موعد نزال «الثلاثاء الكبير»، تسود تساؤلات حول ما إذا كانت هايلي قادرة على تحقيق الفوز في المزيد من الولايات في وجه منافسها، المتقدّم عليها في استطلاعات الرأي في كلّ الولايات التي ستشهد انتخابات تمهيدية، على رغم فوزها بولاية واشنطن، المحسوبة تاريخياً على المعسكر الديموقراطي، والتي تتميّز بقاعدة جمهورية مثقفة سياسياً، قليلة العدد ومناهضة لترامب، علماً أن انتخابات واشنطن سجّلت اقتراع قرابة ألفَي ناخب جمهوري، فيما لم يتجاوز عدد المقترعين الجمهوريين في الانتخابات الرئاسية خلال السنوات الأخيرة عتبة السبعة آلاف. يترافق ذلك، مع أسئلة قد تصبح أكثر إلحاحاً، حول جدوى هذه المعركة في حال تسجيل المرشّحة ذات الأصول الهندية، انتكاسة انتخابية جديدة. ومع ذلك، ثمّة مَن يشير إلى أن انتصارات ترامب المتتالية على هايلي، في معظم جولات الانتخابات التمهيدية، حملت «إشارات تحذيرية» إلى الرئيس السابق، ومن جملتها استطلاع للرأي أجرته «وكالة أسوشيتد برس»، أَظهر وجود نسبة تأييد أكبر لهايلي، مقارنة بترامب، في صفوف حمَلة الشهادات الجامعية، ومعظمهم من سكان المدن، وهو ما يمكن عدّه «نقطة قوّة» لمصلحتها. وفي الاتجاه نفسه، يؤكد ريك ويلسون، أحد مؤسّسي «مشروع لينكولن» (مجموعة سياسية جمهورية مناهضة لترامب) أنه «لا يزال هناك ما نسبته 20% إلى 40% من الجمهوريين يقولون لا (لترامب)»، جازماً بعدم وجود ولاء تامّ في صفوف الحزب الجمهوري للرجل.