يُقال أن لكلّ امرئٍ من اسمه نصيب، وذلك ما قد يفسّر سرَحان سرْحان، الذي كثيراً ما يجنح بخياله، ويفقد الشّعور بالزمكان، إلى أن يسمع سؤال «بشو صافن؟» فيُعيده إلى واقعه، يحدّق في وجه السّائل فيرى ابتسامةً خبيثةً مرتسمةً على وجهه، يردّ بمثلها ويظلّ صامتاً.الحقيقة أنّ الشّرود الذهنيّ طبيعة إنسانيةٌ، هو انفصالٌ عن الواقع، ولو لهنيهات. هو هرب منه. فكلما ازداد الواقع رداءةً، ازداد الشّرود؛ العلاقة بينهما طرديّة. إلا أن الأمر قد يتفاقم أحياناً، ليرتقيَ إلى حوارٍ، في قصرٍ من وهم، في رأسٍ مزدحم، وعندما يحتدم، يتسرّب منه -الحوار- كلماتٌ ينطقها سرحان من دون وعيٍ، فيسمع من يجالسه ذلك ولا يفهم، فينتبه حينها ويحاول تدارك الموقف.


يبدو سرحان ذكياً اجتماعياً، إلا أنه انطوائيٌّ. هشاشته تسترها بشاشته، الابتسامةُ لا تفارق وجهَه، محبوبٌ، موهوبٌ، إلا أنّه تائه، يتحسّس الطريق، يحوم حول الحياة، ويخشى أن يظلّ يحوم حولها حتى الممات.
سرحان مدمنٌ، يحقن نفسه بالأمل، فالأمل لقاح يخفّف أعراض الملل، إنّما الأمل يجب أن يترافق مع العمل. هو طموح، ولكنّه لا يريد أن يصبح فريداً من نوعه، يريد أن يكون إنساناً عادياً، فالعاديُّ اليوم استثنائيٌّ في أتون هوس التميّز. على كرسيّ خشبيّ على خطّ الاستواء، بين الوجود والعدم، يجلس سرحان، وأمامه ساعتان، كأنّهما تجسيدٌ لنصفي دماغه، على يمينه ساعة تعمل من دون كللٍ. تُصدر عقاربُها أصواتاً تحدّثُه، ثرثارة، تمضي ولا تنتظر أحداً. وعلى يساره أخرى متوقفة، ورغم ذلك تصيب في اليوم مرّتين، تظهِر السّكون، تُطيل السّكوت، منافقة، توهم ثبات الزّمن، وانتظارَه، وتُضمر الحقيقة، تُضمر الثانية، تُضمر الدقيقة. الأُولى تَجري كعدّاء، أما الثّانية فتنصب له العدَاء. هبَّ سرحان واقفاً، مزّق الشّرنقة، واشرأبّ إلى الحياة، قرّر أن يُوقف دورانه حولها، قرّر أن يخوضها، أن يعيشها، تحوّل إلى هيولا، لتبدأ رحلة البحث عن صورة تُضفي معنى لحياته. ترك مقعد المُتفرّج وولج حلبة السيرك، وبالتجربة سيخلق لنفسه دوراً ويرتقي به.
سرحان ليس فرداً، سرحان جيل، جيل وجد نفسه في عالم يَجري، يَجري أسرع من«سونيك».