بول الأشقروكان المطران اليساري المُرشّح للرئاسة، فرناندو لوغو، قد دعا الشعب، أول من أمس، إلى «الإيمان بالتغيير»، محذراً من أن فشله «لن يحدث نتيجة معجزة إلهية كما يتهكَّم أخصامنا، بل نتيجة تزوير انتخابي».
في كل الأحوال، لن يكون فوز فرناندو لوغو ــــ إذا حصل ــــ نزهة، لأن عدد سكان الباراغواي 5.6 ملايين، بينما يبلغ أعضاء حزب «كولورادو» المحافظ وحده، مليون وثمانمئة ألف. وعليه، فإن المطران يحتاج إلى أكثرية نيابية في مقابل فكفكة هيمنة الـ«كولورادو» على الدولة المستمرة منذ ستة عقود، التي لن تنتهي بكبسة زر.
والحقيقة أنه لولا تشرذم ورثة الرئيس الأسبق، الجنرال الفريدو ستروسنير، المدنيين، بين أنصار الرئيس الحالي نيكانور دوارتي، وأنصار نائب الرئيس كيستي غوليوني، الذي قرر الاعتكاف بعدما أُبعد لمصلحة المرشحة بلانكا أوفيلار، ولولا انشقاق ورثته العسكريين الملتفّين حول الجنرال لينو أوفييدو قبل عقد، ولولا تحالف اليسار مع الحزب الليبرالي المعارض، لكانت حظوظ لوغو «أبي الفقراء» شبه معدومة.
وإذا أمكن نعت هذه الانتخابات بـ«التاريخية»، فلأن نتائجها غير محسومة سلفاً، وقد تفتح الباب أمام التصفية النهائية لنظام النيو ــــ الستروسنيرية الذي أتى به جنرال من أصل ألماني استعمل عام 1954 حزب الـ«كولورادو» ــــ إلى جانب القوات المسلحة ــــ ليؤبّد وجوده في السلطة. لكن، وبعد إطاحة ستروسنير عام 1989، استمرت الستروسنيرية من دونه بسبب استمرار حزب الـ«كولورادو».
ويرى بعض المراقبين أن الدولة عفت عن أوفييدو وأفرجت عنه قبل أشهر من الاستحقاق الانتخابي لقدرته على تقاسم أصوات الفلاحين الفقراء مع لوغو.
ً انتصار لوغو إذا حصل، يرمز أيضاً إلى عودة ظافرة للحركات الفلاحية التي أبادها ستروسنير في السبعينيات، والتي عادت وتكوّنت بحماية «لاهوت التحرير»، وهي تمثّل رأس حربة أنصار لوغو في بلد يعيش ثلث شعبه تحت خط الفقر، وعشرون في المئة آخرون تحت خط الفقر المدقع. لذلك، يحتل الإصلاح الزراعي مكانة مرموقة في برنامج لوغو، ولن يكون أيضاً مهمة سهلة في بلد يسيطر على زراعته «الأغرو بزنس» البرازيلي، وفيه أراض شاسعة غير مسجَّلة، يستولي عليها الأقوى.
البعض يتكلم عن هذا الفوز بأنه قيامة أمة الغواراني. هم هنود جنوب أميركا الجنوبية، بعد أن نظّمهم الآباء اليسوعيون خلال قرن ونصف في نوع من الشيوعية الأصولية المسيحية، قبل أن تنهار تحت ضربات ملّاكي الأراضي والعبيد في الإمبراطوريتين البرتغالية والإسبانية عام 1772 ويُطرد اليسوعيون من القارة.
لذلك، يضيف البعض مازحاً، أنها قد تمثّل أيضاً «عودة اليسوعيين». ولكن الأكيد، أن لوغو الذي ينتمي إلى حركة «تيكوخوخا»، التي تعني بلغة الغواراني «العيش بين متساوين»، هو ممثل الفقراء عامة والمتحدثين بلغة الغواراني بشكل أساسي، في بلد فريد يتكلم كل سكانه تقريباً ــــ أو على الأقل يفهمون ــــ لغتين: الإسبانية والغواراني.
خارجياً، يمثّل فوز لوغو انتصار موقف سيادي إزاء الجارين الكبيرين البرازيل والأرجنتين اللتين ترمزان إلى تهميش البلد: عام 1870، لم ينج إلا ثلث السكان في نهاية «الحرب المثلثة» التي خاضتها البرازيل والأرجنتين والأوروغواي ضد جارهم المزعج. واليوم، تشتري هاتان الدولتان الطاقة الكهربائية من اسونسيون، بأسعار هزيلة، وتتحكمان بالقرارات الأساسية في مجموعة «مركوسور».
أخيراً، يمثّل انتصار لوغو نكسة جديدة لمصالح الولايات المتحدة، التي ترى في الباراغواي أحد أقرب حلفائها التقليديين، حيث كانت تنوي إنشاء قاعدة عسكرية فيها، تحلّ محل تلك التي ستقفلها السنة المقبلة في الإكوادور.