أرنست خوري
يبدو أنّ علاقة جدليّة تحكم آليّة ارتفاع أعداد القتلى الذين يسقطون لأسباب مختلفة في أنحاء العالم، وارتفاع أسعار مواد الطاقة والذهب والعملات الصعبة. لا تبدو واضحة العلاقة السببيّة المباشرة بين الظاهرتين؛ فالنظام الاقتصادي الدولي المعولَم، يعيش منذ فترة ليست بقصيرة، مرحلة من الاضطرابات البنيوية. مرحلة سِمتها الأبرز الفوضى غير المنظَّمة وازدواجيّة المعايير الاقتصادية.
فعلى سبيل المثال، القوانين الحمائيّة هي الأكثر تطبيقاً في الدول الأكثر ليبراليّة، التي تخلّت عن جميع أدوارها الاجتماعية والاقتصادية. فها هي الولايات المتحدة، من بين الدول الأضعف من ناحية شبكة الضمان الصحّي، ونَظْم العلاقات بين القطاعات الاقتصادية... وفي الوقت نفسه، هي أكثر دولة تمارس سياسات حماية لصناعاتها وإنتاجها الزراعي غير القادر، إذا غابت الرسوم الجمركية المرتفعة، على منافسة البضاعة الصينية أو الآسيوية عموماً.
هكذا، ومنذ سقوط المنظومة الاشتراكيّة، انهارت القيود التي أمّنت حماية، ولو جزئيّة، لـ«جيش المستهلكين العالميّين»، و«جيش الاحتياطيّين من العمّال» (العاطلين عن العمل) على حدّ تعبير المفكّر سمير أمين، ليجد هؤلاء أنفسهم في العقدين الماضيين، فريسة سهلة لقوانين السوق «الخفيّة»، أو اقتصاد «روح العصر». قوانين لا تحكمها سوى مصالح الاحتكارات والكارتيلات الضخمة، في ظلّ عصر سمته الأبرز، شبه اندثار لنقابات العمّال.
إذاً، تحكم عمليّة ارتفاع أسعار كلّ من النفط ومشتقّاته، كما سائر أسعار المواد الأوّليّة، والذهب والأسهم الاستثماريّة وأسعار البورصات، حسابات معقّدة، أحياناً لا علاقة لها بالتطوّرات السياسيّة والحربيّة العالميّة. من بين هذه الأسباب، حركة المضاربات، وحركة البيع والشراء... إلّا أنّ اللافت، أنّ حركة غلاء السلع في العالم كلّه، في تصاعد مستمرّ منذ فترة طويلة. باتت المعادلة معروفة: يرتفع النفط ومشتقّاته في السوق الأميركيّة، فترتفع أسعار جميع السلع الاستهلاكيّة من الأرجنتين إلى منغوليا. يقصف الجيش التركي معاقل حزب العمّال الكردستاني في شمال العراق، الغني بالنفط، فيرتفع سعر الذهب الأسود تلقائيّاً، ويزداد عدد الجائعين في العالم. تنفّذ حركة مسلّحة في نيجيريا عمليّة حرق أو تفجير في إحدى مصافي نفط البلاد، فتنتعش سوق «وول ستريت» في نيويورك...
بعيداً عن الجدل الاقتصادي البحت، يجدر التذكير بأنّ عام 2007 شهد ترابطاً يُستَبعَد أن يكون مجرّد مصادفة. فقد شهدت أشهر العام الماضي، ارتفاعاً قياسياً وتاريخياً في الأسعار، حيث وصل سهر برميل النفط أكثر من مرّة إلى 100 دولار، كما ناهز سعر أونصة الذهب 859.30 دولاراً... وبدورها، لحقت مواد البلاتين والحديد والزنك والذهب بقافلة التسلّق الهستيري لسلّم الأسعار.
لكن الأبرز يبقى ملاحظة كيف كان عام 2007، أكثر الأعوام من حيث ارتفاع أعداد القتلى الذين سقطوا إمّا بحروب استعمارية أو باحترابات أهليّة أو بكوارث طبيعيّة. ولو وضعنا جانباً الـ«تسونامي» الذي ضرب سواحل جنوب شرق آسيا أواخر العام الماضي، لكان من الممكن تتويج عام 2007عام انتصار الثنائيّة الأحب إلى قلب إيديولوجيا الرأسمالية: فقراء العالم قلّوا، ببساطة لأنّ جزءاً كبيراً منهم قُتل، بالتالي انحسر عدد صغار المستهلكين، (سمير أمين يسمّي هؤلاء الأعداد الإضافيّة غير المرحّب بها بالنسبة إلى رأس المال). وفي المقابل، ارتفعت الأسعار، وبالتالي ستزداد الثروات في يد قلّة ستزداد قلّة.