حسام كنفاني
لم يكن دخول أرييل شارون إلى المسجد الأقصى في 28 أيلول عام 2000 السبب الأساس في انطلاق الانتفاضة الثانية، بل سبقه سقوط مدوّ للعملية التفاوضية بعد رفض الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات للعرض الإسرائيلي ــ الأميركي في كامب ديفيد، وهو ما أسس لحالة من الإحباط السياسي وانسداد الأفق، وصلت إلى ذروتها مع خطوة زعيم المعارضة الإسرائيلي آنذاك أرييل شارون.
الحالة اليوم قد تكون مشابهة في كثير من النواحي لما كانت عليه الحال في أيلول عام 2000، فانتفاضة الأقصى فقدت بريقها خلال العامين الماضيين، ودخلت في زواريب الخلافات الداخلية الفلسطينية. وها هي سلطة الاحتلال الإسرائيلي تقترب من أساسات المسجد الأقصى مستغلّة حالة الفوضى الداخلية الفلسطينية المشغولة بخلافات تقاسم السلطة بين حركتي «فتح» و«حماس»، وغياب حالة المقاومة الفلسطينية عن ساحة الصراع الأساسية مع قوات الاحتلال.
الأشغال الإسرائيلية اليوم أخطر من دخول شارون إلى المسجد الأقصى، وتحتاج من الفلسطينيين إلى وضع خلافاتهم جانباً، والاتجاه إلى ضخ دماء جديدة في عروق الانتفاضة لتعود إلى ذروتها، وتعيد الأضواء إلى القضية الأساس في الصراع، والعودة للمطالبة بالحق الفلسطيني في الأرض.
آن الأوان الفلسطيني لانتفاضة أقصى جديدة، ومقوماتها واضحة للعيان، فالانتهاك «الإسرائيلي» قائم يومياً، والحفريات تقترب من مشروع هدم المسجد الأقصى لإقامة الهيكل المزعوم، ومشروع السلام معلّق إلى أجل غير مسمى، وحتى المحاولات الأخيرة لإعادة المسار التفاوضي، وضعت جانباً بعد الرفض الأميركي لاتفاق مكة الفلسطيني على اعتبار أنه لا يلبي الشروط الدولية التي تضعها اللجنة الرباعية والإدارة الأميركية للقبول بأي حكومة فلسطينية، وبالتالي فإن الآمال المعقودة على اللقاء الثلاثي بين وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس والرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، سقطت عند اتفاق الوحدة الفلسطينية، الذي لا تريده الولايات المتحدة وإسرائيل، وبالتالي فإن اللقاء، إذا عقد أساساً، لن يخرج عن إطار الوعود العلنية، والضغوط السرية على الرئاسة الفلسطينية لفك الوحدة مع حركة «حماس» وإعادة الصراع الداخلي إلى مربعه الأول.
القراءة السياسية لواقع الموقف الأميركي، تظهر أن الوساطات لتبديل الموقف لن توصل إلى النتيجة المرجوة، بل يخشى مع الوقت من أن تنجح الولايات المتحدة في تبديل مواقف دول كانت قد أبدت تأييداً لاتفاق الوحدة الوطنية الفلسطيني، وهو ما يعني أن آفاق التسوية ستبقى مغلقة، ولا سيما أن الخيارات الفلسطينية بحسب السياسة الأميركية هي: حرب أهلية أو المراوحة في الحصار.
القضية الفلسطينية باتت بحاجة إلى طريق ثالث يؤمّن لها الزخم العالمي الذي تحتاج إليه. والوقت الحالي هو الأنسب للانطلاق بانتفاضة جديدة.