strong>معمر عطوي
تُدرك طهران جيداً أن التعاون الذي تبديه تجاه الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لن يجدي نفعاً لجهة ترك النظام الإسلامي يسير في طموحاته النووية المثيرة للجدل، من دون عوائق جديدة وعقوبات مشدّدة قد يتخذها مجلس الأمن، بعد تقديم التقرير المُرتقب للمدير العام لوكالة الطاقة محمد البرادعي إلى حكام الوكالة في العاشر من الشهر المقبل في فيينا.
فالجولات المكوكية من المحادثات «الثنائية الاتجاه» (مع الأمم المتحدة ممثلة بوكالة الطاقة، ومع الاتحاد الأوروبي ممثلاً بمنسِّق السياسة الخارجية والأمنية خافيير سولانا) لن تصبح في يوم ما (أقلّه في المدى القريب) تأشيرة دخول الجمهورية الإسلامية إلى النادي النووي، حيث يتّضح أن الخلاف الدائر الآن هو بشأن «المسائل العالقة» في البرنامج النووي الإيراني منذ سنوات، حين كانت الأنشطة الحساسة بعيدة عن أعين المفتشين الدوليين.
وربما كان حديث نائب رئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية محمد سعيدي، أول من أمس، عن «الطريق الطويل» لهذه المحادثات، ودعوته البرادعي إلى التعاون في تقريره المُرتقب، تعبيراً واضحاً عن صعوبة المخاض في هذا الملف الذي يتأثر، بلا شك، بملفات أخرى، على غرار العلاقة المُلتبسة مع دول عربية مثل السعودية والبحرين، والأزمة مع الولايات المتحدة في موضوع «الأمن العراقي»، ومواضيع أخرى، أبرزها لبنان وفلسطين وأفغانستان.
في هذا السياق، لا يمكن التوهّم بتاتاً أن كل هذه الملفات قابلة للتفاوض والوصول إلى حل سحري، فيما البدائل الأميركية لمعالجة الملف النووي جاهزة، أمام التعقيدات المُحتملة والمُرجَّحة، في ظل تراجع خيارات الحرب، وتقدم خيار التفاوض، بعدما انقلب السحر على الساحر.
لعل أبرز هذه البدائل كان قرار واشنطن وضع الجيش العقائدي لإيران (الحرس الثوري الإسلامي) على لائحة الإرهاب، كإجراء هدف الأميركيون من خلاله إلى تأكيد تفرّدهم وتميّزهم عن شركائهم الأوروبيين، باتخاذ القرارات، رغم جنوحهم للخيار الأوروبي جزئياً باعتماد سياسة العصا من دون الجزرة.
فالعقوبات الاقتصادية أصبحت، على ما يبدو، تؤتي ثمارها على الصعيد الإيراني الداخلي، من خلال تفاقم أزمات التضخم والبطالة وتقنين البنزين وزيادة معدلات الفقر، التي أدت الى حصول استقالات في وزارات مهمة أخيراً، فيما بدا أن الخيار الأميركي «بزعزعة النظام الإسلامي من الداخل»، لا يزال سارياً مع استمرار ملاحقة شبكات تجسسية في إيران، تذكِّر بسياسة «الثورات المخملية»، طبعاً من دون تجاهل خطورة تسليح الولايات المتحدة لدول شرق أوسطية تمهيداً لدور محتمل ضد طهران.
هذه المعطيات تشكّل مؤشرات واضحة إلى تراجع نفوذ صقور الإدارة الأميركية، التي أصبحت مقتنعة بأن خوض حرب عسكرية، في ظل تخبُّط جنودها في المستنقع العراقي، لن يؤدي سوى إلى الانتحار.
لهذا بدت هذه الإدارة الهشة وكأنها تفسح في المجال للمفاوضات السياسية، بغية تحاشي مواجهة مباشرة مع جيش عقائدي، أصبحت تهديدات قادته بإحراق الخليج، معزوفة شبه يومية، تؤكد عدم نية طهران تقديم أي تنازلات إلى إدارة فاشلة.