موسكو ــ حبيب فوعاني
على الرغم من انحسار العاصفة الدبلوماسيّة التي ضربت روسيا وبريطانيا، الأسبوع الماضي، في إطار قضيّة اغتيال رجل الاستخبارات الروسي السابق ألكسندر ليتفينينكو، إلّا أنّ تداعيات محتملة تبقى تؤرق الحريصين على الحلول «السلميّة»، حتى مع طرح لندن نظريّة «الالتفاف» لتجاوز الأزمة.
ففيما يشير مصدر في الخارجيّة البريطانيّة إلى أنّ «الجانبين قالا ما أرادا قوله، والآن يجب إظهار أننا نستطيع أن نبقى أصدقاء»، يبدو أنّ لندن لا تزال مصرّة على «إجبار روسيا على التعاون» في تسليم «المتّهم» بقتل ليتفينينكو، أندريه لوغوفويه، وهو ما حاول السفير البريطاني لدى موسكو طوني برنتون التلويح به أمس، عندما تحدّث عن «مصلحة وطنيّة روسيّة» في الاستجابة لمطالب بلاده.
ونقلت وكالة الأنباء الروسيّة «إنترفاكس» عن برينتون قوله إنّ الدستور الروسي الذي يحظر تسليم أي مواطن روسي، وهو الجاري في حالة لوغوفوي، «يمكن تفسيره بوضوح بطرق مختلفة حسب الظروف»، مذكّراً بأن «نقاطاً عديدة من الدستور تنتهك حالياً من دون أن تحرّك الحكومة ساكناً»، إلّا أنّه لم يوضح ماهيّة تلك الانتهاكات.
وأوضح برينتون «نحن لا نطلب من روسيا انتهاك دستورها بل البحث معنا في طريقة للالتفاف على هذه العقبة نظراً لخطورة تلك الجريمة غير المسبوقة»، مشدّداً على أنّ كلمة «أزمة» لا تعبّر عن طبيعة العلاقات بين روسيا وبريطانيا، نظراً «للمصالح الاقتصاديّة المهمّة التي تربط البلدين، والروابط العميقة بين شعبيهما».
في هذا الوقت، أعرب مصدر بريطاني رفيع المستوى، لصحيفة «صاندي تايمز» البريطانية الصادرة أمس، عن اقتناعه بأن مقتل ليتفينينكو هو «من دون شك عمل دولة إرهابي من جانب موسكو»، مشيراً إلى أن «الجميع في الحكومة البريطانية يشاطرونه هذا الرأي»، ومؤكّداً اطّلاعه على الأدلّة الأخيرة التي جمعتها الشرطة وهيئات الاستخبارات.
وبرأيه، فإن موظّفي وحدات مكافحة الإرهاب في وزارة الداخلية البريطانية و«سكوتلاند ـــ يارد» على ثقة بأنّ اغتيال ليتفينينكو تم بأمر من مصلحة الأمن الفدرالية الروسية «أف أس بي» («كاي جي بي» سابقاً)، إلّا أنّه لم يورد أي دليل محدد على صحة أقواله، ولم يوضح على أساس أي تحريات أو تحقيقات تم التوصّل إلى هذا الاستنتاج.
وتقول «صاندي تايمز» إنه لو كان رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون ووزير خارجيّته دايفيد ميليباند واثقين بالفعل من وقوف الـ«أف أس بي» وراء مقتل ليتفينينكو على الأراضي البريطانية، فإن الردّ بطرد الدبلوماسيين الروس يبدو بالغ التواضع، مشدّدةً على أنّه «من غير المفهوم» لماذا قرّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «قيصر بلاد القتلة الجائر» بدلاً من «الضرب بقبضة من حديد» اقتصار الردّ على طرد 4 من الدبلوماسيين البريطانيين.
من جهتها، رأت صحيفة «غارديان» أنّ ردّ الكرملين كان «ألين مما توقّعه الكثيرون»، فيما لفت مصدر في الإدارة الرئاسية الروسية إلى أنّ تأخّر الرد لم يكن مرتبطاً بتصريح رجل الأعمال الروسي المعارض المقيم في لندن بوريس بيريزوفسكي حول إحباط محاولة اغتياله، بل لأن المناقشات استمرت 3 أيام في الكرملين بين «الجناح الدبلوماسي»، الذي يترأسه وزير الخارجية سيرغي لافروف، وبين «الجناح الأمني» الذي طلب رداً عنيفاً، موضحاً أنّ انتصار «جناح لافروف» ترجم بقرار بوتين بأنّ «النزاع تفاقم أكثر من اللازم».
وبينما تلفت أوساط سياسيّة روسيّة إلى أنّ الكرة الآن في ملعب لندن، يرى محلّلون أن آخر ما تريده روسيا هو الصدام مع أوروبا، وأن الولايات المتحدة هي التي تقف وراء استخدام لندن كـ«حصان طروادة»، للتغطية على عجزها عن الردّ على مبادرات موسكو بالتعاون بالنسبة إلى منظومة الدفاع الصاروخية الأميركيّة المنوي نشرها في بولندا وتشيكيا.