باريس ـــ بسّام الطيارة
انتهت المرحلة الأولى من انتخابات الرئاسة الفرنسية. تنوعت النعوت لوصف ما حصل إلا أن النتيجة لا يمكن أن تغيّرها كل الأوصاف والتحليلات. لكن العمل في العمق هذا، الذي انكبّت عليه فرق المرشحين المنتخبين، ضروري لكسب المعركة المقبلة والنهائية


أظهرت النتيجة النهائية للأصوات التي حصل عليها المرشحون الأربعة الكبار في انتخابات الرئاسة الفرنسية، مثلما أعلنتها وزارة الداخلية، حصول نيكولا ساركوزي 31.18 في المئة، وسيغولين رويال 25.87، وفرانسوا بايرو 18.57، وجان ماري لوبن 10.44. أما الثمانية الباقون فقد حصلوا مجتمعين على 13.95 في المئة من الأصواتتكلّم الجميع قبل النتائج على مفاجأة، ولما جاءت النتائج «شبه متطابقة» مع الاستطلاعات عموماً تساءل المراقبون أين هي وما هو الجديد؟
إلا أنه، وبعد مرور عاصفة النتائج، فإن تحليل الأرقام حسب المناطق وحسب الانتماءات المعلنة للناخبين في الاستطلاعات، ودراستها مع مقارنة للانتخابات السابقة، يخرج بالعديد من المؤشرات التي تعكف فرق المرشحين على دراسته بتمعن لـ «تصويب» حملة المتنافسين.
من الاستنتاجات الأولية التي بدأ الخبراء والصحف بالتحدّث عنها، أن مؤسسات الاستطلاع، على الرغم من أرقامها المعلنة القريبة من النتائج، أبقت نسب المترددين عالية، وهذا ما دفع العديد للحديث عن مفاجأة لم تأت. وتبدو هذه نقطة ضعف في كل الاستطلاعات، إضافة إلى النقطة الثانية التي تمثلت بزيادة حجم لوبن، ممثل اليمين المتطرف، والتي جاءت النتائج لتكذبها.
وهذه النقطة، حسب بعض الخبراء، تفسر المفاجأة التي كونتها «نتيجة ساركوزي المرتفعة»، نسبة إلى توقعات الاستطلاعات. إذ يتفق الجميع على أنه كان لمرشح اليمين المتطرف «خزان أصوات» يدور بين ١٦ و ١٨ في المئة، وأن ساركوزي بتبنيه خطاباً يمينياً متشدداً قد «سرق منه» نحو ٧ نقاط. وتبيّن أيضاً أن توقّعات مختلف المراقبين بنوع من «تمنع الديغوليين» عن اللحاق بساركوزي كانت خاطئة، وهو ما يدفع البعض للقول إن هذه الدورة «أعلنت نهاية الديغولية في فرنسا»، مثلما أعلنت «نهاية الحزب الشيوعي» بتسجيله نتيجة سيئة جداً هي الأقل في تاريخه (فقط 1.92 في المئة).
من هنا يمكن القول مع معظم الصحف إن عهداً سياسياً جديداً قد بدأ في فرنسا يوم الاثنين. ويبدو أن هذا هو أيضاً شعور الرئيس جاك شيراك، الذي استقبل أمس، غداة إعلان النتائج، ساركوزي لـ «يشجعه ويؤكد تأييده له» حسب مصادر في الإليزيه. إلا أن هذا لا يعني أن «طريق الإليزيه باتت سالكة» أمام مرشح اليمين. فأكبر خطر يمكن أن يتهدده، وخصوصاً الآن بعدما باتت الانتخابات منافسة بين اثنين، هو تجسيد شعار «أياً كان إلا ساركوزي» الذي يعمل الاشتراكيون على بثه في حملتهم الجديدة، والذي يمكن أن يغري بعض أصوات الوسط. والسؤال هو نسبة هؤلاء الذين «صوتوا للوسط حتى لا يصوتوا لساركوزي». والأصوات المتبقية للوبن، والتي يحتاج إليها اليمين لربح الدورة الثانية، هي الأصوات التي «لم تغرِها طروحات ساركوزي المتطرفة يمينياً»، وتسمى «قاعدة لوبن الأمينة». وهي ليست أصوات مضمونة، وخصوصاً أن ساركوزي، الذي يواجه رويال، يحمل شاء أم أبى «صورة الحكم الحالي» الذي تراكمت الانتقادات الموجهة له، بينما رويال تحمل صورة التجديد.
في المقابل، طرحت رويال، التي تسعى لتكون أول امرأة تتبوأ رئاسة فرنسا، شعاراً جديداً للمرحة الثانية من حملتها يتلخص بـ «التئام الأمة الفرنسية». وفي أول خطاب لها بعد الدورة الأولى، أعلنت رغبتها في تجاوز الإطار الحزبي الضيق في سيعها للفوز. وقالت «إن المعركة تبدأ هذا المساء. لم أعد ملك الحزب الاشتراكي». ودعت إلى التوجه نحو كل الفرنسيين «الذين يريدون التغيير الحقيقي». وهي بذلك تحاول سحب البساط من تحت أقدام منافسها الذي يدرك صعوبة الحصول على المزيد من أصوات اليمين، وهو ما يحتم عليه التوجه نحو الوسط واليسار.
وقد ظهر ذلك بارزاً في دعوته الفرنسيين إلى التجمع لتجاوز حواجز اليسار واليمين. وقد صرح ساركوزي، في مهرجانه الخطابي الأول بعد الجولة الأولى، «أهلاً وسهلاً بالجميع داخل الأكثرية الرئاسية».